الرئيسية » تحرر الكلام » عٌمان بين العمامة العربية والعقال الخليجي

عٌمان بين العمامة العربية والعقال الخليجي

ونحن على بعد ساعات من القمة الخليجية في المنامة تعود الأسطوانة مجددًا إلى ترديد نغمة الإتحاد الخليجي ولكن هذه المرة على ألسنة مسؤولة غير قابلة للنفي أو النقض .

أقول بأن التصريحات بالإتحاد الخليجي وضرورة قيامه هذه المرة لم تعد بالونات إختبار كسابقاتها وعلى ألسنة غير مسؤولة أو مقالات صحف أو تغريدات مراهقة على وسائل التواصل الإجتماعي ، ولهذا التطور مدلولات وقراءآت تختلف عن السابق ، ففيها أسماء وحيثيات وقناعات تتكشف بجلاء دون تورية أو مواربة .

فمن المتوقع والمرتقب الإعلان في قمة المنامة القادمة عن قيام الإتحاد الخليجي بخمسة أعضاء وبدون السلطنة والتي أعلنت موقفها الصريح من الإتحاد وتمسكها بصيغة التعاون كخيار أمثل للتكامل وصولًا للإتحاد وفق إعلان ميثاق قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981م .

وبهذا فالإعلان الرسمي المرتقب لقيام الإتحاد الخليجي في المنامة يعني إلغاء صيغة مجلس التعاون والتحلل من نظامه الأساسي وخروج السلطنة رسميًا من التكتل الخليجي .

ولابأس من التذكير هنا بالنظام الأساسي لقيام مجلس التعاون لأن الذكرى تنفع المؤمنين وبالتحديد ديباجة النظام وأهدافه :

” ادراكا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الاسلامية

وايمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها

ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين

واقتناعا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها انما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية

واستكمالا لما بدأته من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولا الى وحدة دولها

وتمشيا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي الى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى

وتوجيها لجهودها الى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والاسلامية .

الأهـداف:

تتمثل أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يلي:

تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدتها.

تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.

وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الآتية:

الشئون الاقتصادية والمالية.

الشئون التجارية والجمارك والمواصلات.

الشئون التعليمية والثقافية.

الشئون الاجتماعية والصحية.

الشئون الاعلامية والسياحية.

الشئون التشريعية والادارية.

دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعـة والتعدين والزراعـة والثروات المائيــة والحيوانية وانشاء مراكز بحوث علمية واقامة مشــاريع مشــتركة وتشـــجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها”.(إنتهى)

مشاعرنا العميقة الصادقة ودعواتنا الخالصة في السلطنة – كانت – ولن تنقطع للأشقاء في الإتحاد الخليجي بالتوفيق والنجاح في مساعيهم وجهودهم في إختيار مايرونه مناسبًا لهم ولأوطانهم .

نحن في السلطنة – وبلسان المواطن العادي – نعتقد بأن الإتحاد هو هروب منظم من فشل وإستحقاقات التعاون منذ عام تأسيسه في مايو 1981م ، وهو إعتراف مبطن وصريح في آن بالإخلال القانوني المعيب بنظام وأهداف التعاون ، وهو إعتراف صريح – غير معلن – بهوية جديدة لأقطار من الخليج بعد أحداث الربيع منذ عام 2011م وماشهدته المنطقة من أحداث توجب العقلاء على التأمل والمراجعة قبل التراجع والقصاص المرتقب من الآخر .

فالهوية القادمة للإتحاد الخليجي هو الهروب إلى الأمام والمزيد من الإنغماس العميق وبسلبية عمياء في القضايا الإقليمية والدولية وتوسيع دائرة الأعداء ورفع سقف “فاتورة” الثأرات والأحقاد والقصاص . فدول الأيام وسنن التاريخ لاترحم ولاتتوقف .

لاشك عندي كمواطن عٌماني عادي وبسيط بأن سياسات بعض أقطار مجلس التعاون بعد عام 2011م ولغاية اليوم وفي المستقبل المنظور ، تٌشكل لنا في السلطنة عبئ أخلاقيًا كبيرًا وحرجًا تاريخيًا أكبر ، فنحن في السلطنة نرفض الميكيافيلية في السياسة ونراعي التاريخ ونتلمس رضاه بعد الله في جميع خطواتنا ومساعينا .

فالتاريخ والأخلاق في وجدان العٌماني كالحسيب والرقيب للمسلم السوي ، وبقدر سعينا لكسب رضا الله ورحمته في عباداتنا نسعى لكسب رضا التاريخ ولبيض الصحائف والتي ستشفع لنا ولأجيالنا بين الأمم .

لايهمنا من لايقرأ التاريخ ولا من يعتقد بأن التاريخ توقف عنده ، ولا من يعتقد برشوة التاريخ ، ولا من يعتقد بأن التاريخ تصنعه مظاهر الحضارة وقشور المدنية ، فنحن مسؤولون عن أفعالنا ولسنا مسؤولون عن فهم الآخرين ومساعيهم .

من يؤرقهم اليوم مواقف السلطنة السياسية والأخلاقية تجاه قضايا المنطقة والعالم كانوا من المعجبون ذات يوم بالحكمة العٌمانية وبٌعد نظرها في التعامل مع قضايا بعينها مثل نزاع السلطنة واليمن الجنوبي وعزل الشقيقة الكبرى مصر وحربا الخليج الأولى والثانية وإتفاقيات ترسيم الحدود بين السلطنة ودول الجوار على قاعدة لاضرر ولا ضرار ، فما الجديد ياتٌرى !؟.

الجديد الذي يمكن إستنتاجه وقراءته من واقع نتائج الأحداث وقراءة مابين السطور هو إشهار مخطط باطني إلى العلن لن تسمح السلطنة بتمريره أو المشاركة فيه (ستكشف عن تفاصيله وآثاره الأيام القادمة) وباالتالي لابد من التفرد بتنفيذ المخطط المرجو بمراحله المتقدمة دون “ضجيج” عٌماني  .

في الحقيقة أن هذا القرار الخليجي يٌمكن السلطنة من الإنفكاك من “العقال” الخليجي برمزياته السياسية والتاريخية والفكرية إلى رحاب وآفاق العمامة العربية تلك العمامة التي مازالت وستبقى رمز كبرياء وتاريخ ومجد وتفرد للعٌماني  .

فالسلطنة “أجبرت” بحكم عضويتها في مجلس التعاون إلى أن تكون طرفًا في قضايا وصراعات ومواقف مضادة لقناعاتها السياسية والأخلاقية ومكانتها التاريخية ، حتى وإن كانت هذه المواقف على أشكال وصور بيانات سياسية أو إعلامية أو مظاهر بروتوكولية مجاراة منها لشقيقاتها وحفاظًا منها على وحدة الصف واللحمة ولو بشكل ظاهري .

فمن المعروف عن السلطنة أنها تعود لثوابتها السياسية وتتسلح بها في لحظات تاريخية وتجاه قضايا مصيرية كالأزمة السورية والأزمة اليمنية كمثال . إلا أن إقحام إسم السلطنة في بيانات رسمية تحمل كل صفات المراهقة السياسية والعواطف الجياشة والأمنيات العارية من أي عقل أو حكمة أو سياسة تجاه قضايا ومواقف سياسية إقليمية أو دولية ، يمس عقل عُمان ويجرح كبرياءها ويشوه مساعيها ويخدش تاريخها الناصع وسجلها الحافل بالمنجزات العظام ويؤذي مشاعر مواطنيها والشرفاء والعقلاء في العالم .

فالحكمة والتبصر والمبادئ الراسخة للسياسة العٌمانية لم تٌمنح أو تٌهدى لعٌمان من أحد ، بل صٌنعت بعقول عٌمانية خالصة ونٌفذت برجالات مؤمنة ومٌخلصة ، هنا فقط شهد العالم لعٌمان وأصبحت عٌمان في العقل والضمير العربي والعالمي أيقونة سلام ومحبة يجب على العالم الحفاظ عليها ، لهذا فعٌمان اليوم هي الكيان السياسي الوحيد في العالم والذي تٌجمع كافة القوى في العالم على ضرورة تحييده من النزاعات والقلاقل والحفاظ عليه كواحة محبة وسلام ونبع للوئام ومدرسة للمساعي الحميدة .

فعلى الصعيد العربي تسعى عمان بجهد كبير لإغلاق ملف النزاع في اليمن بأقل الأضرار والتداعيات المستقبلية ، ومن غير المستبعد أن يٌغلق الملف السوري في مسقط عن قريب ، والأشقاء في ليبيا يترقبون الدور العٌماني لتحقيق الوئام بينهم ، والأشقاء في الجزائر أدركوا أهمية عٌمان في أحداث غرداية ، والأشقاء في العراق ينظرون إلى عٌمان نظرة تاريخية مٌقدسة ، والجامعة العربية تبنت مقترح السلطنة وفوضتها لإعادة النظر في ميثاقها وعٌقدت جلستين في القاهرة ومسقط لذات الخصوص .

من هنا يمكننا القول وبكل يقينية بأن هامش الحركة وثمرات المساعي العٌمانية تحت ظل العمامة العربية أمضى وأجدى ، وأن الدور العٌماني قد خرج منذ زمن بعيد عن العقال الخليجي بأطره المقيدة والضيقة إلى فسحة لائقة بعٌمان الماضي والحاضر والمستقبل واليوم وبإعلان الإتحاد الخليجي فإن الدور العماني الحقيقي قد إنطلق من عقاله إلى رحاب آفاق لاسقف لها . فهنيئًا لأشقاءنا في الخليج العقال وهنيئًا لنا العمامة .

خيارات عٌمان اليوم السياسية والإقتصادية لاحدود لها فهي في حل قانوني وأخلاقي من كافة إلتزاماتها تجاه منظومة مجلس التعاون بعد إعلان الإتحاد بشكل رسمي ، فمن” ثمرات ” عقود التعاون المؤسفة أنه أتى على كل الوشائج السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي كانت قائمة طوعًا قبل عام 1981م بدل من تقنينها والإرتقاء بها ، كحرية التنقل للمواطنين والإقامة ومجانية العلاج والتعليم بمراحله والمؤسسات القائمة كجامعة الخليج ومنظمة الخليج للإستشارات الصناعية وطيران الخليج وتلفزيون الخليج ودورة كأس الخليج ومركز الخليج للتراث ، حيث نصرفت كيانات التعاون وتفردت بقرارات قُطرية لرعاية مصالحها بمعزل تام عن التعاون المرجو ، لهذا بقي التعاون حبرًا على ورق طيلة عقوده الثلاثة عدا مظاهر الإحتفاء ودبلوماسية القمة والتي أوصلتنا إلى أعراض وتداعيات اليوم .

كل مانتمناه كشعوب إن يراجع الإتحاد المرتقب المكتسبات والقواسم المشتركة بين أقطار الخليج وأن يحافظ ويبني عليها وألا تأخذهم العزة بالإثم ويمارسوا السادية السياسية ضد أنفسهم فيتبخر ماتبقى من القصد والمقصود .

قبل اللقاء : ” لايمكن أن يغفر لنا التاريخ حين نُفرط في إسم ” عُمان” ليدغم في تكتل سياسي ما ونلغي هذا الإسم الجميل بمجده وعطاءه من الأحاديث النبوية وهيام الشعراء والعشاق والأدباء والمحققون وصفحات التاريخ الناصعة ” .

وبالشكر تدوم النعم

مسقط : 5/11/2016م

قد يعجبك أيضاً

3 رأي حول “عٌمان بين العمامة العربية والعقال الخليجي”

  1. نعم ستبقى عمان وستظل بلد العز والحكمة لن يؤذيها كلام الحاقدين ولا دنس المدنسين وسياتي يومااا حينها سيعلم من اراد قيام الاتحاد لماذا رفضت السلطنة الانظمام للاتحاد ولماذا ولماذا؟؟؟؟

    رد
  2. كلام منطقي ويتضمن بعدا سياسيا لأن القياده الحكيمه ومن خلال خبرتها العميقه لها رؤى بعيده ونظره لا ندركها نحن كمواطن عادي .ونحن دائما خلف قيادتنا الحكيمه
    ومن يرى في الاتحاد تحقيق لأهداف سياسيه واقتصادية فالأولى تحقيق أهداف وضعت قبل 36 عاما لم يتحقق منها شي يذكر يهم المواطن العادي ويحقق طموحه

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.