الرئيسية » تحرر الكلام » رَجُلٌ بَحَجم أمه

رَجُلٌ بَحَجم أمه

ما سأتناوله بهذا المقال هو الشهيد وصفي التل رئيس وزراء الأردن السابق وخاصه أننا نحتفل هذه الأيام بالذكرى الخامسه والأربعين على إستشهاده وقد يستغرب البعض من قولي نحتفل ولكن هي الحقيقه فالشهاده لدينا في سبيل الوطن والمبادئ الساميه التي يعتنقها الشرفاء هي الغايه العظمى لكل منا وخاصه أن أجساد أجدادنا وأبائنا وأجسادنا تكونت من تربة هذا الواطن ومنهم من عاد إليها ومنهم من ينتظر فنحن لسنا طارئيين على هذا البلد ونحن الأوتاد التي ستحفظه من السقوط بعد الله سبحانه وتعالى .

كلنا ذاهبون إلى الله وكلنا سنقف أمامه وسيسألنا : حملتكم الأمانه فماذا صنعتم بها ؟ كم أخاف من هذا السؤال وهذا الموقف العظسم جين يتوارد إلى ذُهني فهل أدينا الامانه وقمنا بها كما أمرنا الله وكما حملها وصفي ولم يفرط بها ومات من أجلها ودفع من أجلها أعز ما يملكه الإنسان روحه .

لا أعلم مالذي جعل رجلاً مثل وصفي التل رحمه الله يُخَلد بذاكرتنا نحن كجيل ولد بعد أن طالته يد العماله والغدر والخيانه ولم نعايشه في حياته بل أحببناه من مواقفه وقوميته وتلك المبادئ العظيمه التي كان يعتنقها وربما من طلته البهيه وهيبة الحظور والجلال في شخصيته لذاك هو بقي حياً في ذاكرة الأجيال وسيبقى فالتاريخ يُنصف الشرفاء أما الفاسدين فينتهون بزوال مناصبهم التي يتجبرون بها ويمارسون شهوة وسادية السلطه وما يذكرنا بهم هو فسادهم وإغتيالهم المواطن بقراراتهم والتي هي أشد من القتل بالرصاص ليموتوا بعدها وبأماكن بارده لوحدهم ويدفنوا بمزابل التاريخ .

عندما كنت في جهاز الأمن العام كانت أجمل أيامي هي تلك التي أخلع بها لباسي الرسمي والرتبه والأوسمه لأرتدي بدلة العمل والتي يُسميها الأردنيين ( الفوتيك ) فأتحرر من المنصب ومن سطوته ومن الهيلمان الفارغ الذي كنت أعيش به وهذا هو الفرق بين وصفي التل والمسؤولين الحاليين فلقد فهم الحقيقه مبكراً وعلم أن الإنجاز لا ياتي من خلف المكاتب الفارهه المكيفه وجيش المكتب الخاص من المتملقين والسكرتيرات الجميلات ورائحة العطور الباريسيه وبدلات وربطات العنق الفارهه لذلك خلعها جميعها وإرتدى الفوتيك فكان مع المواطن والعسكري والعامل في المصنع والمنجم وفي الميدان فكان الأقرب لنبض اؤلئك الكادحين ومشاكلهم والذين هم بمجملهم مُكَوِن الوطن وأساسه ففهم الوطن من خلالهم دون ان يعتمد على التقارير وما يرد إليه أن كل شيء بخير كما هو الآن .

خمسةٌ وأربعون عاماً يا وصفي ماتت بها حقول القمح وما عادت تستغفر للأموات وتشكر الأحياء , خمسةٌ وأربعون عاماً ياوصفي قطعوا بها نبالة وكبرياء أشجار السنديان والبلوط ليشيدوا مكانها السجون , خمسةٌ وأربعون عاماً ياوصفي نبكيك أملاً تعيش بداخلنا لعل أن تجود بمثلك أرحام أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وألماً لأن مكانك مازال شاغراً ولم يشغله أحد .

في ذِكراك أقول كل عام وأنت بخير فالشهداء لا يموتون أبداً هم يرتقون سِلم المجد ليولدوا من جديد في قلوب الأحياء والأجيال القادمه فسلام على روحك يوم ولدت ويوم مُتَ ويوم تبعث حيا .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.