الرئيسية » تحرر الكلام » أنا “أُصلِّي”، إذاً أنا “موجود” !

أنا “أُصلِّي”، إذاً أنا “موجود” !

“لا استطيع النوم”، “لا استطيع التركيز في المدرسة / الجامعة / العمل…”، “لا داعي للدراسة الجامعية، لا توجد وظائف في البلد، كثير من حملة الشهادات الجامعية عاطلون عن العمل”، “لا داعي للتفاني في العمل.. لا يوجد تقدير.. وفي النهاية سأتسلم نفس الراتب في نهاية الشهر”، “أنا مطلوب في الغد عند المسؤول.. أكيد فيها تسريح عن العمل.. كما حدث مع فلان”، “ماذا يقصد/ تقصد “فلان”/ “فلانة” بهذه النظرة / الكلمة.. ؟”، “لماذا لا يجيب على اتصالاتي؟.. أكيد متعمد”، “أنا زعلان من صديقي/ أخي / صديقتي/ اختي / زوجي / زوجتي… لن أبادر أنا بالسلام والكلام.. الغلط لم يكن مني”، “كل الناس تكرهني.. لا أحد يحبني”، “حالي تغير إلى الأسوأ.. أكيد إما عين أو حسد أو سحر”، “يجب أن استمع إلى هذا الصوت بداخلي.. لا.. هذه وساوس وكيد قرين السوء.. أعوذ بالله.. يجب أن استمع.. أعوذ بالله..”، “لعلي أعاني من مرض خطير”، “أصلي وأدعو الله يوميا ولا يستجاب  لي؟!”، “هل الدين في المظهر؟ هل الدين في المضمون؟ هل الدين في المظهر والمضمون؟”، “الالتزام الديني صعب وأنا شباب.. إن شاء الله التزم وعمري 50 سنة”، “ماذا لو.. يجب أن لا أكف عن التفكير في هذا الأمر.. أنا قلق.. ماذا يجب أن أفعل.. ماذا لو حدث ما أخشاه.. ماذا لو..”، “التفكير الزائد راح يجنني.. ماذا أفعل؟!”…

أعلاه تشكل بعض أعراض “أفتك أمراض العصر” ألا وهو مرض “التفكير السلبي” أو “حديث الرأس السلبي”، وقد ربما لاحظ القارئ عدم المنطق والتراتبية في سرد هذه “الأفكار” أو “أحاديث الرأس” وسخافة مضمونها، وهي كذلك في المقال، وعندما تغزو رؤوسنا صباحاً مساء، ولذا اكتفيت بذكر النزر اليسير من هذه “الأعراض”، ولعل هناك الآن من قراء هذا المقال من وافقني في بعضها أو جلها بل وشرع في ملأ فراغ ما لم يُذكر!، وقد اكتفيت هنا أيضاً باقتطاع “النتيجة النهائية” في أغلب هذه “الأحاديث الذاتية” التي قد تمتد للحظات أو ساعات أو أيام أو شهور أو سنوات! وكل ذلك يعتمد على مدى استفحال هذا “المرض” في رأس شخص ما، ومدى “تشريقه” و “تغريبه” لهذه الأحاديث!

تقول المقولة الطبية المشهورة، “إن أول خطوات العلاج هي في الاعتراف بوجود المرض”، وتوصيف مثل هذه “الأفكار” أو “أحاديث الرأس” ب “مرض العصر” لم يأتي من “رأس” الكاتب، بل وفق أحدث دراسات تتعلق بالصحة النفسية، ووفق ما وصل إليه عدد من المختصين في الجانب الصحي بشقيه الجسدي والنفسي، و “خبطة زر قوقلية” كفيلة بإظهار ما لم يتسع  ذكره في هذا المقال. كما أنه علاوة على ذلك، فإنه بتأمل بسيط في مثال واقعي مؤسف لنتيجة تأثير مثل هذه “الأفكار السلبية”، سنجد أنها في الغالب قد طالت بضررها أولاً صاحبها بطبيعة الحال أضف إليه ربما فرداً آخر أو جماعة أو عائلة أو وطن أو…، وهنا يكمن خطر هذا “المرض”.

يقول المحاضر الأشهر اليوم في مجال الصحة النفسية والتنمية البشرية، الألماني المقيم في كندا “إيكهارت تول Eckhart Tolle -“:

“يجب علينا قبل كل شيء أن ندرك مبكراً الحقيقة المُسلّمة وهي بأن هناك حديث ذاتي سلبي لاواعٍ، ومن ثم وحتى نستبدل مثل هذا “التفكير السلبي” بآخر “إيجابي وإبداعي” يجب علينا أولاً أن ننتشل إدراكنا الواعي من براثن “حديث الرأس السلبي اللاواعي”، حتى نصل إلى مرحلة “اليقظة”، وذلك عن طريق صرف انتباهنا عبر الادراك الواعي بأن مثل هذا “التفكير السلبي” تافه ولا طائل من ورائه. وبقدر قوة مقاومة الشخص الايجابية الواعية يكن الشفاء من مثل هذا التفكير السلبي اللاواعي”.

ختاماً، أشكر كل قارئ “صرف انتباهه” في قراءة المقال حتى هنا، والله لا يبتلينا وإياكم ب “حديث الرأس/ التفكير السلبي”، ويبقى أن ندرك الحقيقة العلمية وهي بأن الدماغ يتعامل للأسف مع “الطاقة السلبية” بسلاسة أكبر من “الطاقة الايجابية”، وهذه خاصية في الانسان، وربما فيها بعض من قوله تعالى، “لقد خلقنا الانسان في كبد”.

خلصت عالمة النفس الأمريكية المعاصرة الشهيرة/ باربرا فريديكسون، في دراسة لها بأن “كل عاطفة أو فكرة سلبية، أو شعور سلبي، لكي نوازنه أو نعدِّله، فإننا نحتاج إلى خمسة أضعافه من الطاقة الايجابية”!

أنا هنا أسألك أيها المسلم بربك وربي ورب إيكهارت ورب باربرا ورب كل شيء سبحانه.. هل تعلم مصدراً لتوليد طاقة إيجابية بحجم “خمسة أضعاف” عن تلك السلبية، أسهل وأنجع من “الصلوات الخمس” في اليوم؟ عندما تصرف إليها جل انتباهك وإدراكك وخشوعك، وأنت تردد فيها “الله أكبر” من حزني، ومصيبتي، وكل شيء يكدرني..

باختصار جرِّب – إن لم تكن قد جربت – أن تصلي من اليوم “صلاة علمية” !

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.