الرئيسية » تحرر الكلام » عائد دون جناحين

عائد دون جناحين

رأيت صورتهما التي انتشرت على بعض صفحات التواصل الإجتماعي، عماد، آمنة، وطفلهما الرضيع جعفر يتوسطهما، صورة تتبدى للناظر إليها كصورة طير يتهيأ للرحيل، بكيت في صمت وشعرت أنني أتخمتُ بالفقد والقهر وتمنيت لو جفتْ محابر الكلام وأُريق الصمت على الورق.

من منا لم يسمع هذه الأبيات تتردد في كل مرة عندما نتلقى فيها خبراً :

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره     

تعددت الأسباب والموت واحد

فصبراً على ريب الزمان فإنما

لكم خلقت أهواله والشدائد ..

نعم، تعددت الأسباب، وتسابقت النصال إلى صدور اللاجئين، وبات القهر خبزهم اليومي ممزوجاً بالدماء والدموع والعرق والتأوهات، ودُفنت أحلامهم على بوابات البلاد وفي مقابرٍ إختزنت أجسادهم وحكاياتهم معاً في رحلات حملت بين طياتها وحروفها الموت المُخبئ الذي بات يستبيح حياتهم كل لحظة في المخيمات والشوارع وعبر الحدود، وفي الغربة والمهجر، لتكشف للعالم كذبة إسمها (حقوق الإنسان).

تتسرب السعادة من بين أصابعه وهو يرسم أجمل الصور، محدَداً في رحلته كل منطقة وكل طريق واتجاه، يُحدثها كل ليلة عن أحلامه وهي كذلك تبادله الأمنيات، يطيران من شدة الفرح، يكبرطفلهما الرضيع تحت جناحيهما، سُندخله رياض الأطفال ونختار له حقيبة المدرسة وأجمل الملابس والألوان؟

سننسى أرواحنا المتعبة التي شربت من المآسي ماشربت حتى الثمالة، وسنتجاوز الصعوبات أملاً في حياة هانئة، المهم أن نصل إلى أوروبا .

كان متحمساً للهجرة أسوةً بالذين سبقوه من اللاجئين، جمع كل مدخراته وباعت زوجته ماتبقى من حِليها، لا ضير، كل ذلك سيُعَوض.

وبين بداية الطريق وقطف الأحلام لابد من مسافات شوك وورد، وعليه فإن هناك من يندفع ولا يتزعزع مهما كانت الطريق وعرة وطويلة.

يَمموا وجوههم نحو الشمال، أي شعور بالفرح ذلك الذي يغمرهم كلما قطعوا مسافة وإقتربوا من الحدود التركية.

يسيرون بخطى سريعة كأنهم في سباق مع الوقت يستمدون القوة والإصرار من عائلات تتبدى وكأنها طالعة من وجدان مذبوح، صهرتهم نارحرب مجنونة؟

يواصلون السير في طريق شاق وطويل، الطفل يتنقل بين ذراعي والديه، يصمت حيناً وكأنه يسأل ماذا يجري، ويصرخ أحياناً، تلاطفه أمه قائلة : (هانت .. هانت )، إلى أن دخلوا الأراضي التركية ووصلوا إلى أبواب الأمل المنشود.

خاطروا بأنفسهم وعبروا طرق التهريب، آملاً في حياة رغيدة بعيداً عن الحرب والدماروحياة البؤس والمعاناة،  يسعون بحثاً عن الأمن والأمان، وعن وطن في أي مكان على هذه الأرض، وعن هوية وإن كانت بطاقة سوداء؟

لم يكن يعرفوا أنها ستكون الرحلة الأخيرة لهم، وستكون هنا مقبرة أحلامهم وأمنياتهم، وسيُكتب للطفل الرضيع النجاة من رصاصات حرس الحدود التركي، ويكون شاهداً على موت أمه وأبيه وعلى العشرات من اللاجئين الذين سقطوا ودُفنوا في أرض الأحلام.

لاتبتأس ياصديقي على طفلك اليتيم العائد دون جناحين، فما زال دفئ حضنك عالقاً بذراعيه وإن دُفنتم هناك في الغربة، ستظل طفولته البريئة وبسمته حية لا تتسع الأرض لدفنها، وإن سُجلت الحادثة ضد مجهول؟

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.