الرئيسية » الهدهد » أبرز الاستراتيجيين الأمريكيين يتخلى عن حلم “القوة الامبراطورية” ويدعو للتحالف مع روسيا والصين

أبرز الاستراتيجيين الأمريكيين يتخلى عن حلم “القوة الامبراطورية” ويدعو للتحالف مع روسيا والصين

تخلى أحد أبرز الاستراتيجيين الأمريكيين، زبغينو بريجينسكي، مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر لشؤون الأمن القومي والمهندس الرئيس لخطة حكم واشنطن للعالم، عن فكرة “القوة الإمبراطورية العالمية”، ودعا إلى إقامة العلاقات مع روسيا والصين في مقالته المنشورة في مجلة American Interest.

 

يرى بريجينسكي أن على الولايـــات المتحدة تــولي القيادة في إعادة تشــــكيل ميزان القــوى الــعالمي، منطلقاً من حقائق أساسية خمس٬ أولاها أن أمريكا هي الكيان السياسي والاقتـــصادي والعسكري الأقــــوى في العــالم، لكن بالنظر إلى المتغيرات الإقليمية، فإنها ما عادت القـــوة الإمبريالية الكونية كما في السابق. ولا توجد قوة أخرى بوسعها أن تحلَ محلَها.

 

الحقيقة الثانية أن روسيا تعيش “المرحلة المتشنجة” من أفولها الإمبراطوري، ولا تميل لتصبح قوة أوروبية كبرى، بل تتدخل في جنوبها الإسلامي وفي أوكرانيا وبيلاروسيا وجورجيا.

 

الحقيقة الثالثة أن الصين صاعدة بثبات، ندَا ومنافسا محتملا لأميركا، لكنها حريصة حالياً على ألا تتحدى واشنطن. تبدو الصين، عسكريا، باحثة عن اختراق في جيل جديد من الأسلحة، بينما تعمل بصبر على رفع قدراتها البحرية المحدودة.

 

الحقيقة الرابعة أن أوروبا لن تصبح قوة عالمية، إلا أنها مع ذلك تستطيع التحرك في مجابهة التهديدات العابرة للقارات. بالإضافة إلى ذلــــك، تتوافق المصـــالح الأوروبية والأميركية في الشرق الأوسط سياسياً وثقافياً٬ وعضوية أوروبا في “الناتو” ضـــرورية للوصول إلى قرار بناء في الأزمة الروسية الأوكرانية.

 

الحقيقة الخامسة أن العنف السائد في العالم الإسلامي يعود في جزء منه إلى ردة الفعل على الظلم الذي تعرض له على يد القوى الأوروبية، ومع دافع ديني يمكن لهذا الشعور أن يوحد أعداداً كبيرة من المسلمين في مواجهة العالم الخارجي. ولكن في الوقت نفسه وبسبب الخلافات الطائفية التاريخية داخل الإسلام ذاته والتي لا علاقة لها بالغرب، فإن التطورات الجارية حاسمة داخل الإسلام أيضاً.

 

* هندسة السيطرة الجديدة:

وهذه الحقائق الخمس تخبرنا، وفقا لبريجنسكي، أن الولايات المتحدة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة تنظيم بنية القوة العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار أن العنف الذي يتفجر داخل العالم الإسلامي وفي بعض الأحيان خارجه، يمكن احتواؤه من دون تدمير النظام العالمي.

 

ويمكن رسم هذه الهندسة الجديدة على النحو التالي:

أولاً: لا يمكن لأمريكا التعامل مع العنف القادم من الشرق الأوسط إلا عندما تشكل تحالفاً يضم روسيا والصين. ولتسهيل ذلك التحالف، يجب عدم تشجيع روسيا على استخدام القوة الأحادية الجانب ضد جيرانها مثل أوكرانيا وجورجيا، كما يجب إقناع الصين بأن الحياد الأناني السلبي في مواجهة الأزمات الإقليمية الصاعدة في الشرق الأوسط ليس عاملاً مسهلاً لصعودها دولياً.

 

ثانياً: روسيا في طريقها لتصبح دولة – أمة حقيقية لأول مرة في تاريخها، وهو تطور يجب النظر إليه بتمعَن. انتهت الإمبراطورية القيصرية مع الحرب العالمية الأولى وقام البلاشفة بدمج الجمهوريات الوطنية في وحدة واحدة في الاتحاد السوفيتي. وأدى سقوط الاتحاد السوفيتي العام 1991 إلى ظهور روسيا الفدرالية وريثة له وإلى تحول الجمهوريات السوفيتية غير الروسية إلى دول مستقلة. هذه الجمهوريات تحاول تطوير استقلالها، وكل من الغرب والصين يحاول استغلال ذلك بأساليب مختلفة لغير مصلحة روسيا.

 

في الوقت نفسه، يعتمد مستقبل روسيا الخاص على قدرتها في أن تصبح دولة – أمة كبرى ومؤثرة وجزءاً من أوروبا الموحدة. عدم القيام بذلك ستكون له عواقب سلبية على قدرة روسيا على تحمل الضغوط المتنامية إقليمياً وديموغرافياً من الصين.

 

ثالثاً: يتطلب النجاح الاقتصادي الكبير للصين صبراً ووعياً بأن الاستعجال السياسي سوف يُسبَب مشاكل اجتماعية. الاحتمال السياسي الأفضل للصين في المستقبل القريب هو أن تصبح شريك أمريكا الرئيس في احتواء الفوضى العالمية من النوع الذي ينتشر في الشرق الأوسط. وإذا لم يحدد ذلك، فإنه سوف يلوث المناطق الجنوبية والشرقية في روسيا وكذلك الأجزاء الغربية من الصين. توثيق العلاقات بين الصين والجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطى، وباكستان، وخصوصاً إيران بالنظــر إلى أصولها الإستراتيجية وأهميتها الاقتصادية، هي الأهداف الطبيعية للجـــهد الحغرافي السياســــي الإقليمي الصـــيني الذي ينبغي أيضاً أن يكون ضمن أهداف التفاهم الصيني الأميركي.

 

رابعاً: لن يعود الاستقرار إلى الشرق الأوسط ما دامت التشكيلات العسكرية المسلحة المحلية تعتقد أنها يمكن أن تكون مستفيدة من الترتيبات الإقليمية في وقت تمارس فيه العنف الشديد. لا يمكن كبح قدرتها على التصرف بطريقة وحشية إلا من خلال ضغط فعال من تحالف الولايات المتحدة وروسيا والصين، والذي يحسّن من الاستخدام المسؤول للقوة من قبل الدول الإقليمية (إيران وتركيا وإسرائيل ومصر).

 

في الظروف العادية، فإن المملكة العربية السعودية ستكون لاعباً مهماً في تلك القائمة، ولكن الميل الحالي للحكومة السعودية لا يزال لتعزيز التعصب الوهابي، حتى حين تنخرط في جهود التحديث المحلية الطموحة، وهو ما يثير شكوكاً خطرة بشأن قدرة السعودية على لعب دور إقليمي بناء.

 

قد يمهد الانسحاب الأميركي الشامل من الشرق الأوسط، بتشجيع من الانعزاليين الأميركيين، الطريق لحروب جديدة في العالم الإسلامي: على سبيل المثال إسرائيل ضد إيران أو السعودية ضد إيران أو تدخل عسكري مصري في ليبيا، وهو ما سيتسبب في أزمة ثقة بالدور الأميركي عالمياً.

 

على الجانب الآخر، ستستفيد روسيا والصين من هذا الانسحاب الأميركي وستصبح أوروبا في سباق للمنافسة للحصول على ضمانات من القوى الثلاث (أمريكا وروسيا والصين). على أميركا أن تعمل على إعادة روسيا إلى مجالها الأوروبي بعد بوتين، وعلى مشاركة الصين الأعباء في الشرق الأوسط كتجربة لشراكة أميركية – صينية عالمية نحو الاستقرار العالمي.

 

المصدر: مجلة العصر

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.