الرئيسية » تحرر الكلام » لغة الصف التي “تتغير”..!

لغة الصف التي “تتغير”..!

لم أتعجب من عنوان مقال، نُشِرَ مؤخراً وحده، بل من لغة “محسوبين” على صف للشرفاء ..كيف وصلت إلى هذا الحد؟

   عنوان المقال كان يحتوي على “التعريض” الشديد الأبلغ من قاسٍ بشيخ مُعمم، وإن كان الأخير يستحق النقد البالغ لمواقفه المُخزية ومنها حضه على إهدار الدماء، ولكن مَنْ ذا الذي يُصوغ سبّه على نحو لا يدور إلا بين فئة من الناس، كاتب المقال “السالف الذكر” أبعد ما يكون عنها؟ والكاتب رجل فاضل ناصر “الحق” وغلّب الإنسانية داخل نفسه، فضحى بالسكن الغالي، والعمل الأكثر من مميز، ولكن لم يكن من المنتظر منه أن يكون عنوان لمقاله.. واضح، من أسف، في “السباب”!

   على مدار شهور قليلة جداً عقب المذبحة الأبرز في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، “رابعة”، لا يكتم صاحب هذه الكلمات.. الله واضحة.. حول ألمه من أنهار الدماء التي سالت وبالتالي أثرها على مصر.

ثم بعد حين جاء ألم آخر..انهيار لغة الحديث والتناول اللفظي الإخواني في مجمله، وبالتالي المُنضوين تحت لوائهم، فإن كان الله تعالى قد أوضح في محكم التنزيل: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)} سورة النساء، فإن الجهر المقصود بالآية، حاشا لله تعالى؛ أن يرتبط بحال من الأحوال، باللفظ الغالب الدارج المتناول لقائد الانقلاب، أو “الهشتاج” المعروف، الذي بدأ لفظ “عريض” قاس يُتداول من بُعيد الانقلاب ومذبحة “رابعة” حتى صار عنواناً لمقال، فضلاً عن أن يتردد وغيره بين “ألفاظ” شباب من الجنسين في الحياة ومواقع التواصل الاجتماعي وكأنه أمر عادي..!

   ومؤخراً كتب “إعلامي” لا هو بالمحسوب الحقيقة على فئة المذيعيين، ولا كُتّاب المقال، ولكنه حاز شهرة وقبولاً بعد تركه طريق دراسة الطب بإحدى جامعات مصر الوسطى متفرغاً لاسكتشات غنائية موسيقية ولفظية دون جمال في الفكر أو اللفظ، وكان جديراً بأن يسقط بمفرده لولا ذائقة مختلفة لدى البعض، ومُناخ الحرية غير المسبوق الذي لا ينكره إلا مجافٍ للحقيقة في عهد الرئيس “محمد مرسي”، فك الله أسره، ولكن غير المعقول أن يتناول “الإعلامي” قائد الانقلاب بالنقد في مقال، فيرد عليه “المحسبون” على الإخوان ليذكروه بأنه كان من الداعمين للانقلاب وأهله وقائده لولا أن الأخيرين أوقفوا برنامجه، فما كان من الأول إلا ان “كال” لهم الشتائم، مستخدماً ألفاظاً غاية في السوء، ولا أعرف أين ذهبت حنكة الإخوان وبالتالي مناصريهم؟ وقد عرفوا في الأغلب الأعم بها .. بخاصة وهم يستجلبون رداً من الذي لن يراعي أداباً ولا حكمة في “الرد”؟

    بل إن الخرق اتسع على الراقع، فما من مختلف مع “الجماعة” بخاصة بعد “مذبحة رابعة”، رحم الله شهداءها، حتى لو كان من مقربيّها من قبل إلا تناولته الألسنة والأقلام بالهجوم، داخل صف الجماعة نفسه، والخلاف في مداه المعتدل الذي أقصده هنا إنما هو سنّة من سنن رب العباد في خلقه، وصدق تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)} سورة هود، ومن دلائل الاختلاف الواضحة أن تتعدد وجهات النظر، وما دام الأمر في مضمار الفكر، وتناول بالرأي والكلمة أو حتى النقد فما الداعي، أحياناً، إلى التجوز.

    في حالة مذيع معروف جهر بشهادة تخص ما رآه وسمعه وعرفه عن أحداث سبقت “مذبحة رابعة”، والرجل مضارٌ بشكل شخصي، بمصادرة ممتلكاته وماله في مصر، وصاحب انتماء واضح، وشهادته تحسب له وتلزمه، عموماً، وكان يكفي الرد عليه.. من جانب المختلفين معه حولها، لكنهم بدلاً من هذا تناولوا الرجل بـ “السنابك”، ومن ثم التشكيك في أمره ونسبته إلى ما لا ينبغي للشريف الانتساب إليه..

     لا يحسب مثل هذا الموقف للصف الإخواني اليوم ومناصريّه، بحال من الأحوال، وقس على هذا ..الموقف من قيادات الجماعة الإسلامية المناصرة للإخوان في الأساس إذا انبرى أحدهم برأي أو فكرة، ومَنْ ينسي تعليق أحد برلمانيّ الإخوان على مجلس جديد للثورة بتركيا  لما أتهم الجميع، فيما عدا الجماعة بالطبع، بالعمالة وما شابه، ثم اعتذر؟!

   أفلا يسع الجميع في وقت المحنة هذا التأسي بأخلاق الرسول، صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في المحن؟ وأعرف أفراداً في الصف الآن لا يلذ لهم التعبيرعن غيظهم من الانقلاب والانقلابيين إلا بالتلفظ وتدوين غير الجميل ولا الجيد من الألفاظ.. في حضور وقراءة قيادات لا تنهى عن مثل هذا السلوك، ، بل لا تعقب أو تعلق، وربما تدفع مخالفيه إلى الخروج من مواقع للتواصل ..إللهم مَنْ رحم ربي من غير المؤثرين منهم فإنهم يستنكرون بصوت خافض.

    والأمر تجاوز الأحياء والعلماء، ورجال السياسة، وقد كانت “مظلة الإخوان” تسع الجميع قبيل الانقلاب، ولنسل عن أعضاء مجلس الشعب الذين كانوا يضعونهم على قوائمهم من خارج صفهم، بل من المسيحيين أحياناً، وقد كانت البشاشة وسعة الصدر عنواناً واسعاً لقياداتهم مع مخالفيهم أيّاً كانوا ومَنْ كانوا قبل 25 من يناير 2011 بالتحديد، أومحاولة الثورة التي كم تمنينا لها الاكتمال.

    فإن قال قائل إنه تأثير الغدر والخيانة قال المنطق والعقل إن الرسول العظيم وقف بعد غزوة أُحد، عليه الصلاة والسلام، ومعه أصحابه الكرام، رادينَ أذى المشركين باللفظ المناسب دون التجاوز..

   ولكن أن يصل الأمر إلى تناول الأموات بالسباب، والتكفير، كما يفعل عالم شهير، محسوب على الإخوان، يسىء أكثر مما يحسن، وخلفه كثيرون، رغم وضوح نصوص أحاديث صحيحة بأن الميت أفضى إلى ما قدم، كما قال الرسول العظيم في الحديث الذي رواه الإمام البخاري،  وإن المتأله على الله أن يغفر لعبده يعرض نفسه لإحباط العمل، والحديث رواه مسلم،  دون أن يرد أحد من الإخوان موضحاً موقف الجماعة من الداعية الذي يتحدث باسمها في هذه الأمو حتى اليوم، وهو يتعرض لها في جلسات مغلقة مع شباب دون العشرين ومن شباب الجماعة، فالأمر بالفعل غريب وعجيب، بل أن يجد بعض الكُتّاب  في كلمات “بعض” الإخوان اليوم دلالة على تغيير في التوجه يعزز مخاوف لديهم من الإخوان فإن الأمر لم يكن عاقل يتمناه لهذا الصف.

    كان الإخوان في صورة قيادات ورموز بالغة الاعتدال محط إعجاب من العقلاء في العالم كله، وما كان أساس دعوتهم من الأصل إلا دعوي تربوي، وأتخيل أن أي محنة لا تغير من آداب عهدناها في هذا الصف ومناصريه، ورحم الله الراحل المرشد “عمر التلمساني”، لما جاءه نبأ وفاة الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”، وكان الأخير قد حبسه ظلماً، فلم يزد على أن ترحم عليه، ثم لما دعاه الرئيس الأسبق الراحل “أنور السادات” بعد سنوات إلى “كمين” أعده له بإحكام أمام عدسات التلفزيون في السبعينيات ليقول كل عدة دقائق، في صورة عتاب مُدعىً:

ـ مش كده يا عمر؟!

والرجل صامت حتى إذا انتهى السادات قال له:

ـ لو أن غيرك ظلمني في مصر لشكوته إليك وأنت رئيس الجمهورية أما وأنك الذي يظلمني فإني أشكوك إلى الله ..!

   أهتز “السادات” وأحرج وخاف الله .. أين من الإخوان ومن صفهم  .. مثل هذه اللغة مع مخالفيهم، كلٌّ بقدره ومقداره؟!

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.