الرئيسية » أرشيف - المجلة » البخور.. مادة سحرية حرّكت أساطيل الحروب وحيكت حولها الأساطير!

البخور.. مادة سحرية حرّكت أساطيل الحروب وحيكت حولها الأساطير!

وطن-خاص- كتب وعد الأحمد”- البخور مادة سحرية استهوى دخانها ملوك وقياصرة العالم القديم والحديث وحرّكت رائحتها النفّاذة أساطيل الحروب منذ آلاف السنين كما استقطبت قوافل التجار عبر التاريخ، وتذكر مصادر الكتابات الهيروغليفية أن الملكة المصرية حتشسبوت ( من الأسرة الـ 18 ) أرسلت أسطولها إلى اليمن والساحل العربي لجلب البخور الجاف وأشجاره لتزرع في حدائق المعبد ، وكذلك استخدمته الملكة كليوباترا وبلقيس ملكة سبأ التي أرسلت منه أيضاً هدايا إلى ملوك وأمراء الدول المجاورة ، وقيل أيضاً أن الإمبراطور الروماني نيرون حرق من البخور أطناناً في جنازة زوجته ” بوبيه ” ، و” بقي البخور لفترة طويلة على رأس قائمة السلع المطلوبة تتحرك لأجله الأساطيل وتنشب الحروب للبحث عن مصادره حتى حيكت حوله الأساطير والخرافات ، وانتشر البخور أول ما انتشر في الطقوس الدينية التي كانت تقام في المعابد وصار له مواسم وأعياد خاصة مثل عيد موسم فيضان النيل وأعياد الربيع ( في حمص على وجه الخصوص وحفل عيد الحصاد في العديد من بلدان الشرق ، كما رافق التراتيل في الكنائس وكان على الكهنة في الأعياد أن يحرقوا البخور ، كما كان عليهم حفظه في أقبية المعابد السرية مع الأدوات التي يستعملونها ، فيما استخدمه قدماء المصريين في عمليات تحنيط الموتى الذين لا تزال مومياءاتهم موجودة حتى الآن في المتاحف والمدافن .

 

كما أشارت المكتشفات الحديثة في مدينة تدمر الأثرية أن قدامى التدمريين كانوا يحنطون مومياءاتهم بالبخور ، وذُكر البخور في كثير من كتب التراث فهاهو الملك المظفر يوسف بن عمر الغساني التركماني يقول في كتابه ( المعتمد في الأدوية المفردة ) نقلاً عن الأصمعي : ثلاثة أشياء لا تكون إلا باليمن وقد ملأت الأرض : اللبان والورس والعصب يعني برود اليمن وأكثر أشجار اللبان في عمان وقيل أنه لا يكون إلا فيه وشجرته قدر ذراع ولها ورق وثمر كورق الآس ، وجاء في ( تحفة العجائب ) : ” الكندر – وهي التسمية الفارسية للبخور وصمغها هوالكندر يعفر منها مواقع بالفأس فيسيل منها الكندر وهو اللبان واللُبان حار يابس ، ومن أدام مضغه ذكا قلبه وأعانه على حفظ ما نسيه

 

الجوجري وحصى اللبان

بالقرب من المسجد الحسيني وسط العاصمة الاردنية عمان التقت “وطن” بالبائع أبو عبد القادر المعاني الذي أشار إلى أن البخور مادة راتنجية ( صمغية ) تسيل من شجرة برية لا يزيد طولها على ثلاثة أمتار ويشبه لحاؤها الجلد البشري المتقشر بعد تعرضه لأشعة الشمس، ويقوم أشخاص متخصصون بتجريح أشجار اللبان التي يُستخرج منها البخور خلال شهر آذار ( مارس من كل عام ليسيل منها سائل شفاف يتم جمعه ثلاث مرات، ويجلب المعاني بخوره من السعودية ودول الخليج، وكذلك من فرنسا، ويقول “جميع دول الخليج تصنع البخور، وكذلك الهند التي تشتهر ببخور الفواكه”. مشيراً إلى أن “هناك أنواع وأسماء مختلفة تبعا لرائحته، فمنه العود ودهن العود والبخور الكمبودي والمسك الاحمر والابيض والمخلط. وتُقاس جودة اللبان باللون والنقاء والأبيض المشوب بزرقة والخالي من الشوائب هو الأجود والأغلى وتقل جودته كلما مال إلى الاحمرار واختلط بالشوائب .

 

ويشير المعاني إلى أن أسعار البخور تتراوح ما بين 6 الى 10 دنانير للغرام الواحد، بحسب نوع البخور، إلا أن الغالبية تشتري بخور (العيدان) الذي يعد أرخص أنواع البخور.ويضيف محدثنا أن “الناس يقبلون على شراء البخور كتقليد متعارف عليه منذ القديم حيث يسُتخدم بعد حرقه في المساجد والكنائس والأضرحة والمزارات، وأكثر الناس شراء للبخور هم أهل القرى والأرياف ورجال الدين”.

 

المباخر والمجامر

رافقت تجارة البخور في البلدان العربية صناعة كاملة متخصصة بالمباخر بأشكالها المختلفة وتصميماتها المتنوعة، والمبخرة التي سميت “مجمرة” أيضاً في بداياتها لاحتوائها على الجمر الملتهب كانت في بداية الأمر مجرد حفرة في قطعة كبيرة من الحجر ، ومن الحاجة إلى نقلها أحياناً من مكان إلى آخر ظهرت المباخر الطينية والفخارية والمعدنية والخفيفة واختلفت أنواعها باختلاف الحضارات التي انتجتها كالعصر الفرعوني والعصر القبطي ثم العصر الإسلامي الذي وضع لها القوالب (قوالب الصب المعدني) في العصر الأيوبي–كما تذكر الباحثة “عصمت أحمد عوض” في كتابها ” المباخر” الذي صدر عن دار مدبولي في القاهرة .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.