الرئيسية » تحرر الكلام » الجيوش الوطنية والثورات العربية

الجيوش الوطنية والثورات العربية

دراسة منهجية تجريبية موثقة ننشرها على صفحات هذه الصحيفة 

(29)

جيش النظام يقضي على الثورة في البحرين

ننتقل في هذا المقال إلى دراسة سلوك أحد الجيوش العربية وهو يقضي على الثورة في البحرين بمنتهى القسوة والعنف ، وهي حالة اندمج فيها بشكل كامل الدولة والنظام السياسي والجيش في كتلة واحدة ، ومن ثم أصبح الجيش أداة الحاكم للبطش والتنكيل بمعارضيه ، وهذه الحالة هي نموذج لجيوش دول الخليج .

نحن في هذا الدرس إزاء حالة تنصهر فيها ثلاثة فواعل في المجتمع في كتلة واحدة ، هي الدولة والنظام السياسي والجيش ، ومن ثم تتوحد منطلقاتها وخصائصها وتفاعلاتها وأهدافها ، إلى درجة يصعب عندها فصل أي منها عن الكتلة التي انصهر فيها، وتوضيح ذلك فيما يلي من جزئيات :

الدولة الأبوية القبلية الاستبدادية [البحرين نموذجاً]

الدولة في الخليج العربي ليست واضحة المعالم وفق شكلها الأصولي ، الذي فصّله وقعّده الفقه السياسي حسب النظرية السياسية ، فالدولة في الخليج العربي هي نموذج معاصر للدولة الإقطاعية في أوروبا في العصور الوسطى .

الدولة الخليجية ذائبة ومنصهرة في شخص الحاكم ، الذي يجسد في ذات الوقت الأب وشيخ القبيلة لكل من ينتمون أو يقطنون أو ينتسبون إلى المنطقة الجغرافية التي يمتد إليها نفوذه ويعترف من في الجوار له بذلك ، وبذا أصبح الحاكم بوضعه هذا هو مالك الجغرافيا والديموجرافيا أي مالك الأرض ومن عليها ، فالحاكم إذن هو الدولة ، وعندما تكون في مجلس الحاكم فأنت في حضرة الدولة .

فالحاكم وفق هذا النموذج من الدول يستبد بكل الناس أي يتملكهم ، فهو أب لهم ومسئول عنهم ، وليس من حقهم أن يناقشونه أو يعترضون عليه أو يختارونه ، فهل لأحد أن يختار أباه أو يعترض عليه أو يناقشه !! إن الحاكم وفق هذا المنطق لا يمكن أن يفكر أو يسعى إلا من أجل مصلحة رعيته الذين ينزلون منه منزلة الأبناء من أبيهم .

من أجل ذلك فمعارضة الحاكم في تلك الدول جريمة ، فما بالنا بالثورة عليه !! إنها بالطبع الخيانة العظمى ليس للحاكم فقط ، بل هي خيانة للوطن ، وأخيراً وهذه هي الطامة الكبرى وثالثة الآثافي هي خيانة لله !!!

هنا ينبغي أن نفهم هل الحاكم هو الدولة أم أنه يملك الدولة ، إذا كان الحاكم هو الدولة فنحن أمام شخصية واحدة تحمل إسمين الحاكم والدولة ، وتقوم هذه الشخصية بمهام الإثنين معاً وتحقق أهدافهما معاً ، وهذا هو واقع الدول الأبوية الاستبدادية كما في دول الخليج والأردن والمغرب .

أما إذا كان الحاكم يملك الدولة فإن ثمة شخصيتين تملك إحداهما الأخرى ، فللدولة مؤسساتها التي يسيطر عليها الحاكم لدرجة تملكها والتصرف فيها ، وهذا واقع الدول الشمولية الدكتاتورية مثل مصر (منذ عبد الناصر حتى السيسي) وتونس وليبيا واليمن وسوريا قبل الثورة ، وفي دول عربية أخرى مثل السودان والجزائر والعراق في زمن “صدام حسين” ، هذه هي علاقة الحاكم بالدولة في العالم العربي ، علاقة يشوبها الخلط واللبس إلى درجة استحالة الفصل بينهما .

وإذا عرضنا للدولة في النظرية السياسية ، فهي شخصية اعتبارية مستقلة منفصلة تماماً عما سواها من الفواعل داخل المجتمع البشري ، وللدولة عناصرها وأركانها :

البند الأول : عناصر الدولة : تتكون الدولة من عناصر محددة بشكل قاطع ، وتعتبر أهم شخصيات المجتمع الدولي ، وتتمثل عناصرها فيما يلي:     

أ : الإقليم : هو الأرض التي يحي عليها البشر ، وتختلف مساحة الإقليم من دولة إلى أخرى ، ويُعتبر من صميم الإقليم ما في باطن الأرض ومايعلوها من فضاء يمكن السيطرة عليه ، وما تشاطئه أو تساحله من مياه يمكن حمايتها ، أو يُبرم بخصوص تحديد امتدادها اتفاق .

ب : الشعب : هو الجماعة المؤتلفة التي تربطها أواصر متنوعة ومتعددة ، وتتسم بالاستمرارية والدوام ، تقيم على الإقليم بشكل دائم وترتبط به ، وتختلف الدول كذلك من حيث عدد أفراد الشعب ، ولا تقدح قلة عدد أفراد الشعب في وجود الدولة كشخصية اعتبارية .

ت : السلطة العامة:هي التي تتولى الإشراف على الشعب وإدارة شئونه ، وتمثله أمام الدول الأخرى ، وتدافع عنه وتحميه في الداخل والخارج ، ولا دخل لشكل الحكم ، أو علاقة سلطات الدولة ، أو سيادة مبدأ الديمقراطية من عدمه ، في قيام شخصية الدولة وفاعليتها .

ث : الاعتراف الدولي : هو اعتراف الدول والمنظمات الدولية بهذه الشخصية الإعتبارية التي تسمى الدولة ،  بشكل صريح معلن ، أي تعلنه الدولة على الملأ ، أو ضمني مضمر ، أي لا تعلنه الدولة على الملأ ، ولكنها تقيم مع الشخصية المعنية علاقات على شاكلة ما تقيمه مع الدول الأخرى المعترفة بها .

ويمكن أن نقلل من شأن الاعتراف الدولي ، ولا نعتبره ضرورياً لوجود الدولة ، إذ أن الدولة قائمة بقيام عناصرها الأساية المادية ، اعترف بها الغير أم لم يعترف ، والدليل على ذلك الدول في العصور ما قبل الراهنة ، حيث لم تكن تعوّل على حصول الاعتراف الدولي ، وهذه نعرفها بواقعية الوجود والتفاعل .

ولكننا لا ينبغي أن نقلل من شأن الاعتراف الدولي إلى الحد الذي يصوره على أنه لا جدوى من ورائه ، إذ أن الواقع الذي تحقق في عناصر الدولة التي أكدناها يحتاج إلى إضفاء صبغة التفعيل والتفاعل التي لا يحققها إلا الاعتراف الدولي .

فنحن لا نعتبر الاعتراف بالدولة عنصراً من عناصر وجودها ، ولا نذهب إلى القول بأن شخصيتها لا تستقيم بدونه ، ولكننا نؤكد على أن عدم الاعتراف بالدولة أو سحب الاعتراف بها يؤثر على شخصيتها الاعتبارية فيعرضها للنقصان.

وكانت الدولة في الماضي تحمل أسماءً أخرى مثل الأمة ، ولا يزال البعض يصمم على إطلاق هذا الإسم على الشخصية الإعتبارية المعروفة بالدولة ، ولكن الأمة ترتبط عضوياً بالرابطة العنصرية المعروفة بالقومية ، ولا تطلق إلا على الأمم الخالصة التي لا تشاركها سواها ، أما الدولة فيمكن أن تجمع بين أكثر من قومية ولا تتميز إحداها على الأخرى.

البند الثاني : أركان الدولة : مثلما للدولة في النظرية السياسية عناصرها التي فصلناها لها كذلك أركانها التي نوضحها فيما يلي :

أ : الركن الأول : الركن الفكري المعنوي:ويرتكز على صياغة ثقافة سياسية تتواءم مع الأنساق القيمية والأخلاقية للمجتمع ولأهدافه، واعتماد نسق من القيم المطلقة والسياسية ، واعتماد مجموعة من المبادئ العامة والسياسية .

ب :الركن الثاني : الركن الشكلي الهيكلي للدولة ، ويعتمد علىصياغة دستور للبلاد يمثل أساس النظام السياسي وعلاقات السلطات السياسية ، وتنظيم الممارسة السياسية ويتوافق حوله كافة ألوان الطيف السياسي والاجتماعي دون تغييب أو إقصاء تحت أية ذريعة ، وتشكيل النظم السياسية والاقتصادية والإدارية والتعليمية والقضائية ، وتشكيل التنظيمات التي تفعّل النظم المذكورة مثل الأحزاب ، الانتخابات ، وسائل الإعلام المصارف ، الاستثمار ، الائتمان ، الجهاز الاداري ، الجامعات .. إلخ ، ووضع نماذج للسلوكات الحضارية في كافة مجالات الحياة ، واحترام القانون وتطبيقه دون تمييز .

ت :الركن الثالث : الركن المادي ، وذلك من خلالالحفاظ على الثروات الطبيعية وتنميتها للأجيال القادمة [التنمية المستدامة] ، والاهتمام بالشباب ، وترسيخ الدور الرائد للمرأة في بناء المجتمع ، والاهتمام بتنمية الثروة البشرية.

ث : الركن الرابع : الوظيفة الاتصالية للدولة، والتي تقوم على التواصل الفكري والثقافي والحضاري والتفاعل الإنساني مع العالم الخارجي ، وفق أصول الاعتماد المتبادل وليس على اساس التبعية ، التي تحول الدولة إلى كائن رخو يعيش تابعاً لغيره فكراً وسلوكاً ، ويقتات على فتات وبقايا الآخر ، لا يملك زمام أمره ، ولا يستقل برأيه في موقف أو سلوك دولي .

ج :المرتكز الرابع : تأسيس المجتمع المدني الذي يعني التفاعل التلقائي والممارسة السياسية للقوى السياسية والاجتماعية في المجتمع المدني ، ورفض الاستبداد بالرأي وإقصاء الآخر وترسيخ ثقافة التعايش المشترك واحترام خصوصية الاعتقاد والفكر ، هذه هي الدولة بعناصرها وأركانها كما ورد في النظرية السياسية ، فأين هذه الدولة من الدولة الخليجية الأبوية القبلية الاستبدادية القائمة في البحرين كنموذج .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.