الرئيسية » الهدهد » علاء الأسواني: هؤلاء هم المتآمرون الحقيقيون على مصر

علاء الأسواني: هؤلاء هم المتآمرون الحقيقيون على مصر

كشف الكاتب والأديب العالمي المصري، علاء الأسواني، عن أبعاد المؤامرة ضد مصر، ومن هم المتآمرون الحقيقيون فى الداخل والخارج.

 

وقال “الأسواني” فى مقاله له تحت عنوان “من يتآمر ضد مصر ..؟!”، المنشور على صحيفة “دويتشه فيله” الألمانية : “الحق أن نظرية المؤامرة سلاح لاغنى عنه لأي نظام استبدادي لأنها تظهر الديكتاتور في صورة البطل المغوار الذى يحارب الأشرار المتربصين ببلاده”.

 

وأضاف “ولأنها تدفع المواطنين للتغاضي عن أي أخطاء أو جرائم يرتكبها النظام وثالثا لأنها تحيل كل من يعارض الديكتاتور إلى خائن يجب اسكاته وقمعه”.

 

كما أكد الكاتب على أن “اذا كانت هناك مؤامرة فنحن الذين ننفذها في أنفسنا.. الطريقة الوحيدة لافشال كل المؤامرات هي النضال من أجل العدل والحرية”.

 

وفيما يلي نص المقال كاملا :

من يتآمر ضد مصر ..؟!
السيد “آلان جريش” صحفي فرنسي شهير من أصل مصري، جاء في زيارة للقاهرة بعد أن تولى السيسي الرئاسة وجلس في كافيتريا مع صديقتين مصريتين وراحوا يتحدثون عن الأحوال السياسية باللغة الانجليزية. فجأة قامت سيدة من المائدة المجاورة وصاحت:

 

– عاوزين تخربوا البلد ..؟

لم تكتف السيدة بالصياح وإنما سارعت باستدعاء رجال الشرطة الذين احتجزوا آلان جريش مع صديقتيه وحققوا معهم وبعد تدخل السفارة الفرنسية ونقابة الصحفيين تم الافراج عن جريش الذى رفض الانصراف قبل اطلاق سراح الشابتين المصريتين.

 

الغريب في هذه الواقعة ليس القبض على جريش لمجرد أنه تكلم في السياسة، ففي مصر الآن الآلاف من سجناء الرأي، لكن المدهش هو تصرف السيدة التى يصفها جريش بأنها “تبدو ثرية ومتعلمة”.

 

هذه السيدة نموذج لملايين المصريين الذين أجريت لهم عملية غسيل مخ تجعلهم يتوجسون من أى أجنبي بل ومن أى مصري يتصل بالأجانب. كل المسؤولين في مصر بدءا من رئيس الدولة إلى أصغر رئيس حي يتحدثون عن مؤامرة كبرى يقوم بها “أهل الشر” لتخريب مصر وإسقاط الدولة. الاعلام المصري – الخاضع بالكامل لسيطرة الأمن – يستدعي يوميا مجموعة من اللواءات المتقاعدين يتم تقديمهم باعتبارهم خبراء استراتيجيين كل مهمتهم اقناع الرأي العام بخطورة المؤامرة الكونية الغربية التى تدبر ضد مصر..

 

صديق في الخارج وعدو متآمر في الداخل
عندما أصدر البرلمان الأوروبي بيانا يدين انتهاكات حقوق الانسان في مصر ظهر خبير استراتيجي في التليفزيون ليؤكد أن أعضاء البرلمان الأوروبي جميعا عملاء للاخوان المسلمين يتقاضون مرتبات منتظمة منهم. خبير استراتيجي آخر ذهب بعيدا فحذر المصريين من حكومة خفية تسمى “المجلس الأعلى للعالم” حيث يجتمع ممثلو الدول الغربية الأشرار ويستعملون التكنولوجيا من أجل احداث الزلازل والسيول وإثارة البراكين في الدول التى يتآمرون ضدها (ومصر أولها طبعا) . يستمر هذا الإلحاح على نظرية المؤامرة بينما في الواقع يتمتع نظام السيسي بعلاقات ممتازة مع اسرائيل والحكومات الغربية جميعا.

 

كيف نفسر هذا التناقض: في الخارج يوطد النظام المصري علاقاته باسرائيل والدول الغربية وفي الداخل يتهمها بالتآمر ضد مصر. الحق أن نظرية المؤامرة سلاح لاغنى عنه لأي نظام استبدادي لأنها تظهر الديكتاتور في صورة البطل المغوار الذى يحارب الأشرار المتربصين ببلاده ولأنها تدفع المواطنين للتغاضي عن أي أخطاء أو جرائم يرتكبها النظام وثالثا لأنها تحيل كل من يعارض الديكتاتور إلى خائن يجب اسكاته وقمعه. أزمات عديدة نشأت من سوء إدارة الدولة المصرية مثل ارتفاع سعر الدولار وكساد السياحة وغلاء الأسعار ونقص مياه الري، تم تفسيرها جميعا وفقا لنظرية المؤامرة مما أعفى النظام من مسئوليته عنها.

 

نظرية المؤامرة ليست فقط ضرورية للديكتاتور!
نظرية المؤامرة ليست ضرورية فقط للديكتاتور وإنما للشعب أيضا بل انها للأسف جزء من طريقة تفكيرنا. نحن العرب نستريح لنظرية المؤامرة لأنها تحجب عنا عجزنا وفشلنا وتسمح لنا بلوم الآخرين على أخطائنا. كنت طفلا عام 1969 عندما مشى رائد الفضاء “نيل ارمسترونغ” لأول مرة على سطح القمر، ولازلت أذكر أثناء صلاة الجمعة كيف اعتبر الخطيب أن القصة كلها أكذوبة ومؤامرة صهيونية تستهدف فتنة المسلمين في دينهم.

 

لازال بعض الأصدقاء الناصريين يعتبرون أن هزيمة 1967مؤامرة غربية كانت ستحدث في كل الأحوال وبالتالي فان عبد الناصر ليس مسؤولا عنها وانما ضحيتها. كانت امريكا واسرائيل تريدان اسقاط عبد الناصر. هذا صحيح ولكن هل هما السبب في تمسك عبد الناصر بقائد الجيش الفاشل عبد الحكيم عامر ..؟ وهل هما السبب في انصراف عامر إلى الملذات بدلا من العمل الجدي ..؟ ولماذا لم تمنعنا المؤامرة من إعادة تسليح الجيش ومن محاربة اسرائيل في حرب الاستنزاف ومن الانتصار عليها في حرب 73 ..؟

 

إن التاريخ السياسي للعالم ليس الا سلسلة من الصراع بين الأمم على المال والنفوذ كما ان الدول ليست جمعيات خيرية حتى تهتم براحتنا ورخائنا بدون مقابل، ويجب أن نتوقع من كل دولة أن تهتم بمصالحها وليس بمصالحنا.

 

كل هذه حقائق، لكنها لا تبرر أبدا الوهم الذى نعيش فيه بأن العالم كله بشرقه وغربه يتآمر ضدنا. نحن -كعرب ومسلمين – لا نشكل هذه الأهمية القصوى للآخرين لأننا ضعاف وغير منتجين وليس لدينا وسائل للتأثير في السياسة العالمية. إننا للأسف لم نقدم شيئا مفيدا للانسانية منذ خمسة قرون على الأقل والنابغون العرب أبدعوا وحققوا انجازاتهم غالبا عندما تركوا بلادهم إلى الدول الغربية التى نعتقد أنها مشغولة ليلا نهارا بالتآمر علينا.

 

خطورة نظرية المؤامرة أنها تدفعنا للقبول بالاستبداد وهو الأصل في تخلفنا عن العالم. اذا كانت هناك مؤامرة فنحن الذين ننفذها في أنفسنا. آلاف الشبان المصريين محبوسون الآن عقابا لهم على نضالهم من أجل العدل والحرية. عندما نخذل هؤلاء الأبطال وننساهم بل ونتهمهم بالعمالة والخيانة نكون أول المتآمرين ضد أنفسنا. عندما تتم محاكمة نقيب الصحفيين لأنه يدافع عن كرامة المصريين وحريتهم ثم نتخلى عنه ولا ندعمه نكون متآمرين ضد أنفسنا. المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات عندما تصدى للفساد تمت إقالته (بالمخالفة للدستور) ومحاكمته واهانته باحتجازه في القسم كالمجرمين. عندما يحدث ذلك لرجل شريف يدافع عن أموال الشعب فنتركه لمصيره وننشغل بمباريات كرة القدم ومسلسلات رمضان. عندئذ نكون أخطر المتآمرين ضد أنفسنا. الطريقة الوحيدة لافشال كل المؤامرات هي النضال من أجل العدل والحرية.

الديمقراطية هي الحل

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.