الرئيسية » تحرر الكلام » الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة

الجيوش الوطنية والثورات العربية ـ دراسة منهجية تجريبية موثقة

(18)

واقع الجيش المصري قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011م

في هذا الموضع نعمد إلى فذلكة ما قدمنا في توصيف دقيق لواقع الجيش المصري قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011م ، ذلك الواقع الذي يرتكز على ثلاثة محاور ، نتناولها فيما يلي :

الفرع الأول : الجيش المصري قوة وسلطة فوق الدولة :

بالفعل تحول الجيش المصري إلى مؤسسة دقيقة الهيكلة وشديدة التنظيم ، تحوي قطاعين كبيرين ، الأول القطاع العسكري البحت ، والثاني القطاع المدني فعلاً وتفاعلاً العسكري شكلاً وإدارة ، وقد انزلقت هذه المؤسسة عن غير قصد مرة وعن قصد مرات إلى منافسة بل مزاحمة الدولة المصرية في كثير من سيادتها واختصاصاتها البشرية والإقليمية والاقتصادية والمعنوية ،

وقد استغلظت حصيلة ميزات المؤسسة العسكرية في مصر إلى حد فاق الدولة المصرية ، وأصبحت تلك المؤسسة تدافع عن الدولة المصرية وتحميها ليس لأن ذلك هو دورها واختصاصها ولكن لأنها أقوى من الدولة ، فهي تحميها من كل من يعتدي أو يتعدى عليها ، أما هي فلها الحق والقدرة والسطوة في تخويف الدولة المصرية ، وتحديد وتحجيم أفعالها واختصاصاتها.

وتعتمد المؤسسة العسكرية على قوتها المادية والتنظيمية ودورها في الدفاع عن الأمن القومي في إرهاب وتخويف مؤسسات الدولة ، وبذا أصبحت أهم وأكبر قوة سيادية في الدولة المصرية ، فلا يمكن لأي وزارة من الوزارات أو مؤسسة من مؤسسات الدولة أن تحتك بالمؤسسة العسكرية .

إلى القوة المادية والتنظيمية يضاف إلى المؤسسة العسكرية استحوازها على السلطة التي تعني السيطرة والنفوذ ، وكلاهما يعني التأثير على الآخرين والقدرة على توجيه سلوكهم ، من خلال استخدام أساليب التخويف والإرهاب ، عبر مفاهيم مثل الأمن القومي ، والجيش الوطني البطل ، والقوات المسلحة الباسلة .

الفرع الثاني : قيادات الجيش المصري قوة سياسية فعّالة :

قيادات الجيش المصري هي المتحكمة بشكل مطلق في تكوينه وسلوكاته والمستفيدة الأول والأخير مما يحرزه من مزايا ومصالح ، وما يحوزه من سلطة ونفوذ ، وعليه تحولت قيادات الجيش في مصر إلى قوة سياسية مؤثرة تستهدف تحقيق ما يلي :

البند الأول : الوصول إلى حكم مصر بشكل مباشر ، أو بشكل غير مباشر من خلال نظام سياسي يشكلونه ويوجهونه بأنفسهم .

البند الثاني : الحفاظ على الوضعية المميزة للجيش كمؤسسة فوق الدولة ، ولا تستطيع أية قوة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أن تضارعها في نفوذها وتأثيرها .

البند الثالث : الحفاظ على اقتصاد الجيش كاقتصاد مواز لاقتصاد الدولة ، ويمكنه التأثير فيه ولا يخضع هو لتأثيره ، والحفاظ على الميزات والمصالح المادية والاقتصادية لقيادات الجيش .

الفرع الثالث : الجيش المصري يحافظ على سلطات ونفوذ ومصالح قياداته  :

المحور الثالث في توصيف واقع الجيش المصري قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011م ، يتعين في استخدام الجيش في الحفاظ على سلطات ونفوذ ومصالح قياداته ، وذلك في مواجهة مجموعة فواعل لم تتمكن من الإفلات من هيمنة الجيش وهي :

البند الأول :الفاعل الأول هو الدولة ، وهذا الفاعل تمكن الجيش كما سبق الإيضاح من السيطرة على مؤسساته وتجنيده لمصلحته ، وتأكد واقع الدولة الشمولية العسكرية البوليسية .

البند الثاني :الفاعل الثاني هو النظام السياسي ، وقد ثبت وتأكد سيطرة الجيش على النظام السياسي ، الذي أذعن دون مقاومة ، وتواطأ معه على الدولة والمجتمع ، وأصبح النظام السياسي والجيش كلاً واحداً من الصعب فصل أبعاضه أو رؤيتها منفردة إلا عندما تتوتر العلاقة وربما تنفصم عراها بين الصنوين ، عندها يتنكر كل منهما للآخر ، ويسعى إلى استبعاده من على سدة السيطرة على المجتمع ومقدراته .

البند الثالث :الفاعل الثالث هو القوى السياسية التي أثبتت ضعفها وتفاهتها وعدم قدرتها على الصمود في أية مواجهات ، ولم تستعص هذه القوى سواء كانت أحزاب هيكلية دون روح أو حركات أو تنظيمات بكل أنواعها أو مؤسسات مجتمع مدني أو نخب فكرية وثقافية على الجيش الذي لم يبذل أدنى مجهود في السيطرة عليها .

البند الرابع :الفاعل الرابع هو عموم الشعب المصري الذي استعصت منه جموع كثيفة على الخضوع للجيش ، وفهمت كل القضايا التي قدمناها في هذا التحليل أو معظمها ، وهذه الجموع الآخذة في الازدياد هي التي ستعيد الجيش وكافة الفواعل المذكورة إلى الجادة ، وستقيم دولة مدنية عصرية حكمها رشيد .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.