الرئيسية » الهدهد » من سوريا وإيران إلى الجيش الإسرائيلي..

من سوريا وإيران إلى الجيش الإسرائيلي..

“ج” هو متزوج وأب لطفلين. وصل إلى إسرائيل من مدينة حلب في سوريا في التسعينيات، وبعد عدة سنوات تجند للخدمة في الجيش الإسرائيلي ومنذ ذلك الحين بقي يخدم فيه، وأصبح اليوم في رتبة رائد. وهو ابن لأسرة مؤلفة من 8 أفراد، وهم أم وأب وستة أطفال،  وهو الابن الأصغر من بين الجميع.

 

كيف تذكر الحياة في سوريا؟

“أذكر الفترة التي عشناها في سوريا. يعيش في البلاد خمسة إخوتي الأكبر مني سنا ويتذكرون ذلك بطريقة مختلفة قليلا ولكني أذكر الحياة هناك داخل الجالية اليهودية. ذهبنا في طفولتنا إلى مدرسة يهودية، تعلمنا في مؤسسة “تلمود توراة” داخل الجالية ومعظم حياتنا كانت تدور حولها”. حسبما ذكر موقع المصدر الإسرائيلي.

 

تلمود توراة هي مؤسسة تعليمية يهودية تقليدية كان من المعتاد إرسال الأطفال إليها في مختلف البلدان كي يتعلموا جيدا النصوص من التوراة ومن الصلاة. كيف كانت علاقتكم بالمسلمين حولكم؟

 

“علم جيراننا بالطبع أننا يهود. لم تكن الجالية اليهودية في مدينة حلب موجودة منذ فترة قصيرة، بل هي جالية كانت هناك منذ نحو 2000 عام. كان اليهود في مدينة حلب موجودين لسنوات طويلة وليس فقط أنّ ذلك ليس غريبا بل كان ذلك طبيعيا في نسيج الحياة. مع مرور الوقت انخفضت أعداد اليهود في سوريا. قريبا من الأربعينيات، بلغ تعداد الجالية اليهودية نحو 20 ألف شخص وعندما غادرنا نحن سوريا في التسعينيات كان تعداد الجالية نحو 2000 شخص وبالطبع كان ذلك مختلفا. ألفا شخص هو ليس تماما العدد الذي يمكن ملاحظته في مدينة يعيش فيها مليون نسمة. لم تحظى الجالية باهتمام كبير جدا وكان هناك بين جيراننا في سوريا، الطيبون أو الأقل طيبة. كنا نتبادل الزيارات فيما بيننا في الأعياد”.

 

لماذا قررت الأسرة الرحيل؟

“منذ قيام دولة إسرائيل أصبحت حياة اليهود أصعب بقليل وبدأ قسم كبير جدا من الجالية بالمغادرة رويدا رويدا حتى بقي عدد قليل جدا من اليهود في سوريا. سارت أسرتنا على خطى أسر أخرى غادرت ببساطة سوريا لأنها لم تعتبر أنه من المناسب أن تؤسس حياتها فيها. يجب أن نتذكر أيضًا أنّ سوريا قد احتجزت اليهود كرهائن داخلها، ولم تسمح لهم بالتحرك بحرية ومغادرة البلاد. كان يُحظر على معظمهم  الحصول على تأشيرة دخول، وبالتأكيد ليس كأسرة. كانت هناك حالات استثنائية ربما كان يُسمح فيها بالخروج والعودة من أجل تلقي العلاج الطبي، ولكن معظم اليهود هناك عاشوا في دولة لم يكن بإمكانهم مغادرتها. كان ذلك يشبه الكثير من الدول في شرق أوروبا والتي كان سائد فيها نظام شيوعي وكانت الفكرة مماثلة”.

 

يقول “ج” إنّ أسرته هربت من سوريا عن طريق تركيا. واليوم أيضًا تعتبر تركيا نقطة هروب مركزية من سوريا، ولكن يدور الحديث اليوم بشكل أساسيّ عن لاجئين سوريين يهربون من الدولة الإسلامية إلى دول أوروبا.

 

لم يكن تأقلم أسرته في البلاد سهلا. ولكن بما أن الأطفال حصلوا في سوريا على التعليم في “تلمود توراة” وقرأوا العبرية هناك، فإنّ تعلم هذه اللغة، على الأقل، لم يكن الجزء الأصعب في التكيف في البلاد الجديدة.

 

“في نهاية المطاف أنت تصل إلى بيئة جديدة، لا تملك شئيا فيها. وعليك أن تعتاد. أعتقد أن تجربة كل واحد منا تختلف عن الآخرين. فقد كان قدوم والديّ إلى البلاد صعبا، مقارنة بنا نحن الأطفال فقد كان أسهل بقليل”.

 

“أنا سعيد جدا لأنّنا هاجرنا إلى البلاد فبالنسبة لنا عيد الفصح والخروج من العبودية إلى الحرية ليس مجرد شعار. حينها لم تكن هناك عبودية، ولكنا خرجنا إلى الحرية بالتأكيد. أعتقد أنّ هناك الكثير ممن يتشاركون هذا الشعور ممن غادروا سوريا بدءًا من الأربعينيات”.

 

حدثني عن تجربة الخدمة العسكرية في إسرائيل

“الخدمة العسكرية بالنسبة لي وبالنسبة لعدد غير قليل من الأشخاص الذين لم يولدوا في إسرائيل، وخصوصا بالنسبة لمن ولد في سوريا، كانت تجربة الخدمة بمثابة رسالة بكل معنى الكلمة. أعتقد أنّ من لم يجرّب ماذا يعني ألا تكون في البلاد التي هي بلادك فمن الصعب عليه قليلا أن يفهم معنى ذلك. أشعر أننا نحقق الحلم الصهيوني وهو أن تخدم في دولتك. هذا يبعث فيّ شعورا مثاليا تماما. إنها تجربة تسمو بالروح. ليست الخدمة العسكرية أمرا سهلا، ولكن عندما تصل مع شعور ذي قيمة كهذه إلى الخدمة العسكرية فأنت تصحو كل يوم وتشعر شعورا عظيما من الرضا لأنّك تعمل من أجل الدولة”.

 

ماذا تقول عن الوضع اليوم في سوريا؟

“ما يحدث في سوريا هو مأساة إنسانية، فقد قُتل مئات آلاف الأشخاص الأبرياء. حلب هي مدينة مُدمرة. الكثير من الأمور التي تعرفت عليها في الماضي، لست متأكدا أنني سأتعرف عليها اليوم. في النهاية، كل شيء هو ذاكرة طفولة. أن أرى الطفل السوري (إيلان كردي) ملقى على الشاطئ في تركيا – حتى لو كان هناك شخص ذو قلب من حجر فلن يستطيع ألا يشعر بالألم عند رؤية ذلك المشهد. إنها مأساة. ومع الأسف الشديد نحن لا نرى نهايتها”.

 

“م” هو جندي أصغر من “ج”. هو جندي في الجيش الإسرائيلي أيضًا، ولكن منذ أربعة شهور فقط. لقد وصل من إيران مع أسرته في بداية سنوات الألفين. وهو  مثل “ج” أيضًا، يتحدث عن الهجرة إلى إسرائيل وعن الوصول إلى عشّ الأسرة الدافئ.

 

ماذا تذكر من الحياة في إيران؟

“أذكر الروضة، الأطفال فيها، والحياة هناك. كنت في روضة إسلامية. روضة مختلطة فيها مزيج من البنين والبنات. كان لدي أصدقاء مسلمون وكنا نلتقي بعد المدرسة أيضا. كنا نذهب إلى حدائق الألعاب ونلعب كرة القدم أحيانا. عشنا حياة جيدة في كافة المجالات ومنها الديني، الاجتماعي، الجيران”.

 

كم يهوديا عاش في إيران في تلك الفترة؟

“في الوقت الذي عشت فيها بلغ تعداد اليهود هناك نحو 30 ألفا. رويدا رويدا بدأ يغادر الجميع  لأنّهم أدركوا أنّه لم يعد لديهم ما يطمحون إليه فيها. لقد سعوا إلى تزويج أبنائهم من اليهود، وأرادوا التوحد مع أسرهم وبدأ الكثير من الأسر بالمغادرة رغم أنّ حياتهم كانت جيّدة جدّا”.

 

كانت حياة اليهود الاجتماعية في إيران جيدة، وكانت علاقتهم بالإيرانيين جيدة، بل حتى كان اليهود يحتفلون مع الفرس بالأعياد والنيروز (رأس السنة الفارسية). وفقا لأقوال “م” في تلك الفترة لم يتعاملوا بشكل مختلف مع اليهود هناك. “اعتبروك إيرانيا وليس مسلما، يهوديا أو مسيحيا”.

 

ما هي المهنة التي مارستها الأسرة في إيران؟

“كان والدي يبيع الأوشحة المصممة بأناقة وبشكل فاخر جدا. استطاع أن يبيع بضاعته إلى شركة الخطوط الجوية الإيرانية “إيران إير”. كان يجهّز الأوشحة لمضيفات الشركة اللواتي وضعن الأوشحة لأنّ هذه الشركة كانت متديّنة”.

 

إذا كان كل شيء جيّدا، فما الذي دفعكم إلى اتخاذ قرار المغادرة؟

“حتى لو كانت حياتك جيدة فلا تزال الأسرة هي الأهم. لم يبق جدي وجدتي من جهة أمي، أخوالي وخالاتي في إيران. في الأعياد كانت تستضيفنا الأسر البعيدة في إيران. بدأت أمي بالاشتياق لوالديها اللذين هاجرا إلى إسرائيل قبلنا بعامين وأراد والدي أن أهاجر إلى البلاد وأن أعيش حياة أكثر يهودية، أن أتزوج من يهودية وألا أندمج بالديانات الأخرى. لذلك هاجرنا إلى البلاد لنكون إلى جانب الأسرة. ما هي قيمة الحياة المريحة تلك في إيران إن لم تكن الأسرة قريبة؟”.

 

علمتم بأنكم ترغبون في الهجرة إلى إسرائيل وليس على سبيل المثال إلى الولايات المتحدة، مثل الكثير من اليهود الذين غادروا الدول العربيّة؟

“كانت والدتي ترغب منذ شبابها في مغادرة إيران. بعد الثورة الإيرانية أراد جدي وجدتي المغادرة فأرسلا والدتي إلى الولايات المتحدة ومن ثم وصلت خلال رحلة إلى إسرائيل. فأحبت أرض إسرائيل. عندما أردنا مغادرة إيران فقد ترددنا في الاختيار بين الولايات المتحدة وإسرائيل ولكن حب والدتي لإسرائيل قد حسم القرار”.

 

كيف تذكر الهجرة إلى إسرائيل؟

“كان هناك انفعال، وأذكر أنه بعد أن التقيت بجدي وجدتي بدأ جدي بالبكاء وتأثر جدا. كان من المجدي أن نغادر إيران وأن نصل إلى البلاد من أجل رؤية جدي”.

 

وكيف كان الاستيعاب؟

“كان علينا الاندماج في المجتمع، وتعلم اللغة. ذهب والداي إلى إستوديو معد للقادمين الجدد في البداية (وهو مكان يتعلم فيه المهاجرون الجدد اللغة العبرية). ولكن والدي لم يصل كثيرا إلى الإستوديو، وبعد مرور سنة ونصف كان عليه أن يغادره وأن يبدأ بالعمل وكسب الرزق. أما والدتي فقد واظبت على الوصول إلى الإستوديو لوقت أطول ولذلك فهي تتقن العبرية بشكل أفضل، وأما والدي فيصعب عليه أكثر التعامل مع العبريّة. ساعد جدي والدي في الدخول إلى عالم العمل، لقد كان يعرف أشخاصا وعرّفه على إيرانيين يعيشون في تل أبيب. وجدوا له مكان عمل جيدا”.

 

“نحن نتحدث بالفارسية في المنزل فقط. أتحدث مع شقيقي أحيانا بالعبرية، ولكن أتحدث مع والديّ بالفارسية. ومع معرفة اللغة تتعزز الثقافة أيضًا ففي أيام الأعياد والسبت نتناول المأكولات الفارسية التقليدية الخاصة باليهود. ونحن نحتفل أحيانا أيضا بالأعياد الإيرانية كالنيروز على سبيل المثال”.

 

هل بقيت أسرة أخرى لكم في إيران؟

“هناك عمي الذي لا يزال يعيش فيها ولكننا لسنا على علاقة قوية به”.

 

وهل حظيتم في البلاد بلقاء أشخاص هاجروا من إيران على الأقل في السنوات التي هاجرتم فيها؟

“يعمل والدي الآن في مكان يمر فيه الكثير من السائحين فأحيانا يرى الكثير من الإيرانيين الذين جاؤوا للسياحة في البلاد ومن ثم يعودون إلى إيران”.

 

يتحدث “م” عن أهمية خدمته العسكرية ويؤكد أنّه يعتبر الجيش الإسرائيلي مفتاح النجاح في المجتمَع الإسرائيلي في المستقبَل

 

“إن الخدمة مهمة جدا بالنسبة لي. وأعتقد أن الجيش هو مفتاح الاندماج في العمل، المجتمع، وأيضا من أجل المساهمة في الدولة. والأهم هو المساهمة في هذه الدولة. الجيش هنا هو مفتاح النجاح في الحياة. فهو يهيئ الأفراد للعيش حياة أفضل. أنت تتعلم التعرف على ما تريده في حياتك بشكل أفضل. تتعلم أين تخطئ، وأين عليك أن تصحّح نفسك”.

 

“يهمني أن أقول إنّه من المهم الخدمة في الجيش. نحن نخدم الدولة ونحرسها لأنّه إنْ لم نفعل ذلك، فلن يحرسها أحد”.:

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.