الرئيسية » الهدهد » ليس البغدادي من كان في الصور وظهوره في الموصل كان ضرورة “شرعيّة”

ليس البغدادي من كان في الصور وظهوره في الموصل كان ضرورة “شرعيّة”

شمس الدين النقاز (وطن – خاص)

لا تزال الحرب الإعلامية بين تنظيم الدولة الإسلامية وخصومه على أشدّها كما لا يزال ذكر اسم إبراهيم بن عواد الحسيني السامرائي المعروف بكنية أبو بكر البغدادي مادّة صحفيّة ثريّة قادرة على جذب مئات الآلاف من المتابعين والقارئين الجدد وهو ما فقهه عدد كبير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية في الفترة الأخيرة.

فبعد أن أعلنت القوات العراقية عن مقتله وإصابته أكثر من مرّة في مناطق متفرّقة من العراق يأتي الردّ من قبل تنظيم الدولة وأنصاره أن البغدادي على قيد الحياة وأن كلّ ما يتداول من أنباء عن مقتله أو غصابته لا تعدو أن تكون إشاعات بهدف الحصول على معلومات قد تؤدّي إلى كشف مكان اختبائه ومن ثمّة قصف ذلك المكان أو القيام بعمليّة إنزال خاطفة علّهم يمسكونه حيّا بعد أن عجزوا عن ذلك مع كلّ من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وخليفته الحالي أيمن الظواهري.

الجمعة 12 فبراير كان يوما حافلا في مختلف الصحف العالمية العربية والأجنبية كذلك على شبكات التواصل الإجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، حيث تناقل الجمعان تقريرا عن صحيفة التايمز البريطانية، مفاده ظهور“قائد تنظيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي مجددا بعد 18 شهرا من الغياب وذلك في أحد مساجد مدينة الفلّوجة.

ونشرت الصحيفة البريطانية تقريرها أمس الجمعة، حيث أشارت فيه إلى أن صورا بثتها قناة محلية عراقية مؤخرا ظهر فيها البغدادي يتكلم مع بعض الأطفال في مسابقة لحفظ القرآن في أحد مساجد الفلوجة ثمّ سلّم للفائزين منهم جوائز كتكريم منه لمن حفظ القرآن.

لكن بعد متابعة لما كتبته التايمز ومختلف وسائل الإعلام، يمكننا القول إنّ من ظهر في الصور التي نشرتها حسابات مقرّبة من تنظيم الدولة ونقلتها عنهم الصحيفة البريطانية، لم يكن أبو بكر البغدادي وإنّما هي إعادة جديدة لسلسلة الإشاعات الّتي كان آخرها تواجد زعيم تنظيم الدولة في مدينة سرت الليبية قبل شهرين.

لا يخفى على متابعي وسائل الإعلام خلال السنتين الأخيرتين أنّ أي خبر أو صورة أو فيديو أو كلمة صوتية يتمّ الإشارة فيها إلى زعيم “الدولة الإسلامية” من قريب أو بعيد، سيكون مادّة إخباريّة رئيسيّة وثريّة تنقلها كلّ وسائل الإعلام العربية والغربيّة كما أنّ كاتب الخبر أو مصدره سيصبح مرجعا للتحليل والتفسير والتعليق.

وسائل الإعلام العربيّة خاصّة انساقت هذه المرّة كالعادة وراء الصحف الأجنبية العريقة على غرار التايمز، الّتي تعجّلت من وجهة نظرنا في تأكيد أن البغدادي هو من كان في الصورة ولا شكّ أنّ هذا الخطأ من قبلها مردّه عدم فهم وفقه اللغة العربيّة الّتي تتمّ كتابة أغلب بيانات التنظيم بها.

لماذا ليس البغدادي من ظهر في الصور المنشورة؟

أوّلا:من ناحية الشكل ليس زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الظاهر في الصور وإنّما شبيه وذلك له لمن تأمّل الصور برويّة، خاصة وأن تقرير التايمز نقل عن محللين متخصصين في أبحاث وتحليل “الإرهاب” أن الشخص الذي ظهر في اللقطات هو شبيه البغدادي.

ثانيا: كان عنوان الصّور المنشورة “توزيع هدايا مولانا أمير المؤمنين (حفظه الله) على حفظة القرآن الكريم” وهو ما يعني بالضرورة أن هذه الهدايا كان مأمور بها لهؤلاء الحفظة من قبل البغدادي خصّيصا جزاء حفظهم للقرآن.

ثالثا: كانت هناك لافتة كبيرة معلّقة وراء الرجل الّذي كان شبيها للبغدادي أثناء إلقائه لكلمة بالمناسبة، مكتوب فيها “يقيم ديوان الدعوة والمساجد مركز ولاية الفلوجة احتفالا مركزيا لتقديم هدايا مولانا أمير المؤمنين (سدّده الله) على الفائزين والمشاركين في مسابقة دار الإسلام الأولى لحفظة القرآن الكريم” وهو ما يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك أن الهدايا مقدّمة من البغدادي ولم يقدّمها هو بنفسه أو يشارك في هذا الحفل.

لقد أصبح من المؤكّد عند متابعي الجماعات الجهادية بمختلف توجّهاتها ومسمّياتها وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية أنهم ليسوا سذّجا لدرجة أن يغامروا بحياة قياداتهم في الصفوف الأولى لأجل تكريم حافظ قرآن أو حضور عقد قران في عالم أضحى الحجر والشجر والبشر مسخّرا للتجسّس عليهم وتعقّبهم.

الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها يعلمون جيّدا أنّ أبا بكر البغدادي الدّاهية والرجل المخابراتي بامتياز الّذي خالط كبار ضبّاط الجيش العراقي ممّن التحقوا بتنظيم “الدولة الإسلامية”، لن يخاطر بحياته في مدينة الفلّوجة الّتي لا تغادر سماءها وأجواءها مختلف أنواع الطائرات الحربية والتجسسية ناهيك عن الأقمار الصناعية المسلطة عليها لتعقّب آثار قياديي ومسلّحي أخطر تنظيم جهادي عرفه التاريخ.

صحيح أنّ أبا بكر البغدادي فاجئ العالم في 4 من شهر يوليو 2014 وصعد منبر جامع الموصل الكبير وخطب الناس في يوم جمعة تحت حراسة أمنية مشدّدة، حتّى أنّك يمكنك ملاحظة أنه لا يكاد يخلو صفّ من صفوف المصلّين في المسجد أو في زاوية من زواياه من رجل من رجاله أو من حرسه الشخصي، لأن هدفه كان يومها إسكات خصومه وإثبات شرعية ولايته والظهور أمام “رعيّته” بعد أن أعلن ما أسماه الخلافة في شهر يونيو من العام نفسه، لكن الأمر مختلف تماما عن حفل تكريم حفظة القرآن.

إنّ ظهور البغدادي في الموصل كان ضرورة شرعيّة فرضها الواقع، ولعلّ عدم ظهوره في تلك الفترة كفيل بإفشال هدفه في التمدّد وتلقّي البيعات، فمن سيبايع مجهولا و”مسردبا” و”جاهلا” وغيرها من التّهم الّتي اتّهمه بها خصومه في العراق وفي سوريا وغيرها من المناطق، لكن هل يمكننا أن نقارن بين أهمّيّة الظهور وضرورته وقتها وبين مسابقة لتكريم حفظة القرآن الكريم في مسجد من مساجد الفلّوجة؟

أبو بكر البغدادي زعيم “الدولة الإسلامية” يعلم جيّدا أنّه المطلوب رقم واحد في العالم، كما لا يخفى على المسؤولين عن أمنه الشخصي وعن حياته أنّ أيّ خطئ غير مسموح به على الأقلّ خلال الفترة الحالية الّتي تقهقر فيها تنظيمه في بعض المناطق في كلّ من العراق وسوريا، لأنّ أدنى خطأ سيؤدّي إلى مقتل “أمير المؤمنين” ولا يخفى على المتابع ما يمكن أن يحدثه ذلك من حالة إرباك ومشاكل كبيرة داخل “الدولة”، لأنّ البغدادي يعتبر أوّل أمير للمؤمنين لدى الجهاديين منذ سقوط الخلافة العثمانية قبل نحو قرن من الزمن.

سلسلة الإشاعات تتواصل عن البغدادي وتنظيمه ولا نعلم ماذا ينتظرنا من أخرى جديدة في المستقبل القريب، لكنّنا متأكّدون أنّ الحرب الإعلامية والإفتراضية وعلى الأرض، لا تزال طويلة ولم تبح بعد بكلّ أسرارها من قبل “الدولة الإسلامية” وزعيمها أبو بكر البغدادي ومن قبل التحالف الدولي وقائدته الولايات المتحدة الأمريكية.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.