الرئيسية » تحرر الكلام » الثورات العربية وحقوق الإنسان .. علاقة حتمية وشائكة (3)

الثورات العربية وحقوق الإنسان .. علاقة حتمية وشائكة (3)

إشكال تطبيق حقوق الإنسان في مواجهة الأنظمة المبادة

من أهم الإشكالات التي يجب مواجهتها فيما يتعلق بالبحث في العلاقة بين الثورات العربية وحقوق الإنسان دون تحسس أو مواربة هو تطبيق حقوق الإنسان في مواجهة الأنظمة المبادة ، ويمكن معالجة ذلك الإشكال على النحو التالي :

أ ـ طبيعة الثائر : لقد انتصر الثائر في صراعه مع الوضع الفاسد ، ثم هو يسعى لخلق واقع جديد مناقض للوضع المنهار ، وكذلك هو يتحلى بالفضيلة ، لأنه يبحث عن القيم والمثل والفضائل لينشرها ويرسخها في الواقع الجديد ، وأيضاً هو أريحي يجود بالغالي والثمين ولا ينتظر مقابلاً ، وهو يناصر الحق الذي حرم منه في العهد المباد ، ويجُبّ الظلم الذي عانى منه في ذلك العهد ، بهذه الخصال سوف يتعامل مع رموز الظلم والطغيان .

ب ـ إعمال العدالة الناجزة مع مجرمي الأنظمة المبادة : لقد قلنا ما ينبغي أن يقال منهجياً ومنطقياً وموضوعياً ، وهو أن العدالة لا تُجزّء ولا توظّف حسب الزمن والموقف والظرف الإجتماعي والتاريخي ، ولكن العكس هو الصحيح ، فكافة الظروف والمتغيرات والمستجدات ينبغي أن تخضع للضبط والفرز وفق قيمة العدالة وإجراءاتها ، تلك القيمة التي تتسم بالثبات والموضوعية والإطلاق .

إن ما ينبغي أن يطبق بالفعل هو العدالة الفعالة الناجزة ، أي تفعيل وتسريع العدالة فكرياً وإجرائياً وذلك من خلال آليات ثلاث :

1 ـ الآلية الأولى : توصيف قانوني دقيق لنوعيات عديدة ومتنوعة من الجرائم السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية ، ظهرت جميعها في مرحلتي العهود المبادة والثورات ، ثم يستمر هذا التوصيف والتصنيف لضبط المتغيرات والمستجدات مستقبلاً ، ويتمثل صلب وقوام هذا التصنيف في أن الجريمة أو الجنحة أو المخالفة ترتبط بدقة بحجم وكيفية إختراق وتدمير النسق القيمي ومنظومة المبادئ الخاصة بالمجتمع .

2 ـ الآلية الثانية : تحديد العقوبات المرتبطة بتلك الجرائم والجنح والمخالفات وفق الأساس الذي ذكرنا ، وهو حجم وكيفية إختراق وتدمير النسق القيمي ومنظومة المبادئ الخاصة بالمجتمع .

3 ـ الآلية الثالثة : سرعة إنجاز الآليتين المتقدمتين مع إضافة الآلية الثالثة وهي سرعة المحاكمات ، والانتهاء من نظر تلك القضايا لأنها ستكون إحدى عومل الاستقرار ، وركناً من أركان دولة القانون والمؤسسات .

ت ـ حق التعبير عن الرأي من قبِل كل القوى والتيارات : للتعبير عن الرأي أصوله وقواعده ، حيث يمثل ذلك التعبير نمطاً من أنماط الحرية ، حيث لا يمكن الحديث عن الحرية نظرياً أو فلسفياً إلا إذا كان هناك آخر ، فالإنسان مع نفسه     ” ذاتية ” وليس من المنطقي الحديث في هذه الوضعية عن الحرية ، كما أن الإنسان في الفراغ ، أو في عالم مجرد خالٍ من الذوات الأخرى ، ليس في حاجة إلى الحديث عن الحرية ، فهو في هذه الحالة مطلق الحرية ، حيث لا يحد أفكاره أو تصرفاته وسلوكاته حدود .

أما إذا كان الفرد في مواجهة الآخر ، فهذه هي الوضعية التي يمكن من خلالها ، وفي إطارها الحديث عن الحرية ، فالأخيرة هي أن يفكر الإنسان فيما يري ، ويفعل ما يريد ، بما لا يتجاوز أو ينتهك أو يخترق الحدود المكفولة لخصوصية فكر وسلوك الآخر ، والآخر هذا قد يكون شخصية طبيعية مثيلة ، وقد يكون تنظيماً أو قوة اجتماعية أو سياسية أو عرقية أو إثنية أو ثقافية .. إلخ ، وقد يكون شخصية إعتبارية مثل النظام السياسي أو الدولة ، وقد يكون تكويناً بشرياً أو مجتمعاً آخراً ، وقد يكون دولة أخرى .

ث ـ إيذاء الثورة والثوار بالقول أو الفعل جريمة يعاقب عليها القانون : التعبير عن الرأي لا يعني إيذاء الثورة أو الثوار ، فالثورة تؤمن وترسخ قيمة حرية الرأي وحرية التعبير عبر القنوات الشرعية ، فهذه تجليات للحرية ، ومن أجل تفعيل ذلك الإيمان وتجسيد الترسيخ ، تؤسس الثورة القنوات الشرعية للتعبير قولاً وسلوكاً ، فالنقد البناء مطلوب بل مفروض ، أما الهدم والإحباط فهما مرفوضان بل مجرّمان ، وإذا تجاوز التعبير عن الرأي الفكر إلى السلوك ، ورأينا أن التعبير السلوكي يتجاوز التظاهر والاعتصام ، إلى العنف والتخريب والتهديد بالسلاح أو استخدامه ضد الثوار والمواطنين ، فمعنى ذلك أننا أصبحنا أمام جريمة مكتملة الأركان ، وهنا للعدالة موقفها الموضوعي الحاسم والصارم ، حيث لا اعتداء على المتهم ولا تعذيب ولا إساءة بأي شكل من الأشكال ، بل تطبيق للقانون وجزاء عادل سريع .

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.