الرئيسية » تحرر الكلام » هل تتحقق الأسطورة؟

هل تتحقق الأسطورة؟

 

سنذكر يوما هذه الايام، وسنضرب الجبين بالكف، قائلين ببلاهة المتعجب: كيف حدث لنا هذا؟ أين تلك الارض ، وكيف ضاع منا ذاك الثرى البعيد ؟ من جنى علينا وكيف ساقونا إلى هذا المصير ؟! هل نلام أو نلوم وماذا سيُحدِث اللوم بعد أن طمى الخطب؟

لقد حدث كل شيء أمام أعيننا، وشهدنا تلك التفاصيل منذ لحظتها الأولى، لقد كنا متنبهين ومستفيقين لكل هذا ،لكن شيئا ما كان أقوى منا ،التف حول رقابنا وسيطر عليها .. سلاح لم يكن كباقي الاسلحة مهما بلغت من تطور وقوة .. لم يشبه المدافع ولا الدبابات ولا البراميل او حتى الغازات الخانقة والاخرى الحارقة .. إنه يشبه الموت فقط .. الموت لألف مرة قبل فقدان الحياة ..

تفنن بالقتل يحتاج لصبر وروية لكنه سلاح مضمون ونتائجه مرضية.

إنه القتل بسيف الجوع .. اغتيال بطيء للحياة الانسانية .. تقتل به النفس بلا صوت .. بلا ضجيج .. رحيل صامت يشبه صمتكم أيها الزائفون اللعينون!!

قتل بطيء:

تعيش اليوم بلدة مضايا جارة الزبداني ابنة دمشق الصيفية حصارا خانقا من قبل سفاحي العصر قوات الاسد وحزب الله اللبناني ، حصارا يفتك بأربعين الف سوري بين طفل وكهل ،امرأة ورجل .. بينهم عشرون ألف نازح من مدينة الزبداني التي تعرضت لأشد وأعنف عمليات القصف ومحاولات الاقتحام البربرية ، قتل منهم حتى لحظة كتابة هذه السطور واحد وثلاثون شهيدا بين طفل ومسن ، قصص مروعة ومشاهد خانقة لقوت قوامه أوراق الشجر المغلية وفي أحسن الحالات لحم قطط أبيح ذبحها وتناولها سدا للرمق ، أمهات فقدن عقولهن وأطفال برزت عظامهم ، لا يفرق الجوع بين كبير أو صغير كما لا يفرق البرميل .. لكن الفرق أن ميتة البرميل واحدة أما الجوع فهو طريق سالك نحو موت بطيء يسلب منك الحياة رويدا رويدا لتسلم روحك طوعا ( خلاصا ) من هذا العذاب الإليم.

لم تكن مضايا اولى البلدات المحاصرة ولم يكن اهلها اول من ذاقوا مرارة الموت جوعا فقد سبقها الى هذا المصير العديد من المناطق السورية من مخيم اليرموك الى احياء حمص القديمة وحي الوعر في حمص ثم المعضمية ولا ننسى دوما الصامدة وصولا الى مضايا اليوم.

وإذا توارد في بالك سؤال ما ذنب هؤلاء ليقتلوا جوعا ويفتك الحصار بهم ، قل لأن الذنب الوحيد لأهالي هذه المناطق انهم ابناء البعد الجيوسياسي والاستراتيجي لمناطقهم لوقوعها في قلب خريطة المخططات الخبيثة و عمليات الضغط السياسي لجني المكاسب والارباح على الارض وتمرير المراد منها أو هم وقود لألاعيب سياسية قذرة متعددة الأسلحة لتركيع شعب أبى الركوع ، فكان هذا عقابه.

مساومات رخيصة :

في آخر ايام شهر ديسمبر/ كانون الاول تم التوافق على هدنه الزبداني – الفوعة، سبقها قبل ايام قليلة هدنه حي الوعر الحمصي على غرار هدنه حمص القديمة.. رافقها مجموعة من الهدن الاخرى في مناطق متفرقة و هدن سرية لم يعلن عنها، لقد كانت الفترة الماضية فترة الهدن من عمر الثورة السورية ان صح تسميتها. وما زلنا ننتظر هدنا قادمة وايقن انها اتية لكن بعد ان تصل المأساة الى ابعد حد ممكن حتى يصبح للحصار ثقل ويصبح التجويع ورقة ضاغطة قوية تقضي للانصياع التام وقبول اتفاق مذل بشروط يقرها ذو البطن الممتلئ وليس من يئن جوعا.. وهذا ما يعد لمضايا اليوم على غرار المناطق التي سبقتها وهذا ما يفسر سكوت العالم الذي كشفنا تآمره علينا على اعتباره شريكا في جرائم الحرب هذه ضد الشعب السوري.

الخبر مقابل الأرض:

كما بات واضحا أن الأسد وحلفاءه من ورائه عمدوا منذ أكثر من عامين على تحويل السوريين من مقاومين ثائرين إلى مقاومين للبقاء على قيد الحياة، ليست غريبة مشاهد مضايا اليوم فكم مضايا كانت قبلها ، وانتهت المأساة بخروج أهالي الأرض من أرضهم وتسليمها للنظام واتباعه برعاية أممية مقابل كسرات من الخبز ، مخطط الاتفاقات المذلة هو فقط ما رأيناه وما سنراه مستقبلا لانهم نجحوا في أن يجعلونا بحاجة إلى اتفاقياتهم وهدنهم هربا من الموت ، لقد اختل موازين القوى الذي يمثل المعيار الأول في رأيي لقياس مدى استفادتنا واستفادة عدونا من الاتفاقات المبرمة بين الطرفين.

يقول رأي .. إن حصار مضايا اليوم الهدف منه هو فك الحصار عن الفوعة وكفريا الشيعيتين بعد فشل خروج جميع أهالي القريتين في ريف إدلب نحو الزبداني والاقتصار فقط على الجرحى منهم ولا يتعدى عددهم الأربع مئة شخص ، والرأي السديد أكثر أن مايهم مخطط التهجير الطائفي والتغيير الديموغرافي هو الأرض ، وأن الأرض هي القول الفصل وما البشر هنا الا احجار شطرنج على رقعة كبيرة الهدف منهم أن يكونوا أدوات لتحقيق الغلبة والانتصار ، فلا يهمهم اليوم الشيعة في الفوعة وكفريا ، ما يهم بالنسبة لهم أن يربحوا ورقة مساومة ..

إن الحزام الذي يربط الساحل بحمص فالقلمون ولا ننسى دمشق ، هو الغاية المبتغاة لتقسيم علني من قبل روسيا وايران لهذه المنطقة ، وإن جميع الهدن التي تقضي بخروج أهالي هذه المناطق نحو الشمال السوري أو خارج سوريا هي هدن مرفوضة تعمق التقسيم وتزيد من إمكانية نجاح خطة الخريطة الديموغرافية الجديدة للبلاد ، نتفهم ضرورة الموقف الإنساني الأليم ، لكن على من يفاوضون باسمنا أن يأخذوا بعين الاعتبار مستقبل هذه الأرض وهذه الثورة .

لا يغيب عن خيالي مشاهد الخروج المرير .. ولم تغب عن مسمعي ترانيم الوداع الاخير.. للدار والتراب والسماء ربما.. فلا سماء تشبه سماء الموطن بعد الرحيل عنه.. تقول الاسطورة انهم عائدون. فهل للأساطير أن تتحقق هذه المرة؟

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.