الرئيسية » الهدهد » مفاجأة صادمة بالأرقام المقارنة.. الخليج يبيع نفطه بسعر يقارب سعر الثمانينات السوداء

مفاجأة صادمة بالأرقام المقارنة.. الخليج يبيع نفطه بسعر يقارب سعر الثمانينات السوداء

وطن- مجدالدين العرب

لو قال شخص اليوم للعرب وللسعوديين بالذات -كونهم سادة تصدير النفط عالميا- إن برميل النفط يباع اليوم بسعر بخس للغاية، يكاد يلامس سعره أيام الهبوط المأساوي في ثمانينات القرن الماضي قبل 30 سنة، فلربما اتهم ذلك الشخص بالجنون أو بأنه يهرف بما لايعرف، فسعر برميل التفط الخام المصدر من منطقة الخليج يعادل نحو 28 دولارا، أما سعره أيام مجزرة النفط في الثمانينات فكان يقل عن 10 دولارات، فكيف يكون ثمن النفط اليوم أبخس من ثمنه قبل 30 سنة.

الجواب بسيط يمكن العثور عليه بالبحث عن القيمة الشرائية للدولار اليوم مقارنة بما كانت عليه قبل 30 سنة، صحيح أن الورقة الخضراء هي أقوى العملات على مستوى العالم، وهي المسطرة التي تقاس جميع أسعار صرف العملات الأخرى عليها، إلا أن الدولار في النهاية عملة ورقية، تخضع للانخفاض والارتفاع، أما الثابت الحقيقي الذي يقيم كل ذلك فهو سعر الذهب.

ورغم أن الولايات المتحدة فكت عام 1971 الارتباط أبدياً بين الذهب وقيمة عملتها، لمنح نفسها حرية طبع ما تريد من الدولارات دون أن تكون مقيدة بوجود رصيد ذهبي يغطيها، رغم كل ذلك بقي الذهب في عرف الاقتصاديين وحتى الناس العاديين هو المادة الأولى في تقييم القوة الشرائية لأي عملة، وعمل المقارنات الصحيحة بين أسعار الماضي والحاضر.

ففي ثمانيات القرن الماضي عندما تهاوى النفط إلى مادون 10 دولارات لبرميل كان سعر غرام الذهب، يقارب 16 دولاراً، والأونصة عند سعر 500 دولار تقريبا، أما اليوم فسعر غرام الذهب يعادل 35 دولار، وسعر الأونصة حوالي 1065 دولار.

أي إن الإنسان من أي جنسية كان بحاجة لدفع 16 دولارا ليحصل على غرام واحد من الذهب، أما اليوم فهو يدفع 35 دولارا للحصول على نفس الوزن من نفس السلعة، أي إن الدولار خسر من قيمته الشرائية قرابة 49 بالمئة من مقابل الذهب، وبهذا المنطق يصبح كل دولار في ثمانينات القرن الماضي بدولارين من دولارات اليوم، وهكذا فإن 10 دولارات كسعر لبرميل النفط قبل 30 سنة، تعادل نحو 20 دولارا اليوم.

هذا الكلام له مدلولات خطيرة على منطقة الخليج، التي تعتمد كل اقتصاداتها بشكل مؤثر على صادرات النفط، وليس أدل على الارتباط العضوي والقاتل أحيانا بين النفط واقتصادات الخليج من أن تلك الدول ما تزال حتى الآن تضع ميزانياتها على ضوء سعر تقديري للنفط والغاز، ولا ثالث لهما، فكل مقدرات هذه الدولة الخليجية أو تلك رهينة بمزاج سوق النفط وتقلباته، وأسيرة للبرميل الأسود، رغم كل ما قالته وتقوله دول مثل الإمارات –نموذجاً- عن تنويع اقتصادها وتقليص ارتباطه بالنفط وأسعاره.

إذن، برميل النفط اليوم يباع بسعر يكاد يلامس سعر الثمانينات التي لايود أحد من الخليجيين تذكر سوادها وبؤسها، وكيف انعكست تقتيراً في الميزانيات، وشحاً في الإنفاق، وتضييقاً لأبواب التوظيف الحكومي، وتقليصاً لكل المزايا التي كان يشعر بها الخليجي، والسعودي بالذات، أيام الطفرة والوفرة.

وإذا ما أضفنا لهذا التدهور ظروف التضخم وغلاء الأسعار الذي طال كل شيء، عندها سندرك مدى سودواية المشهد الذي ينتظر دولاً عدة إن استمر سعر النفط في التهاوي، وحتى إن استقر عند سعره الحالي.

يتذكر السعوديون كونهم يعشيون في أكبر دول الخليج العربي النفطية، أن الثمانينات شهدت تدهورا خطيرا في سعر النفط، هوى بالبرميل إلى مادون 10 ريالات، ولكنهم يتذكرون بالمقابل أن الأسعار كانت مقبولة بل وحتى رخيصة قياساً بدخل تلك الأيام، فالسيارة التي يعد وجود واحدة وثلاث وربما خمس منها في بيت الأسرة السعودية لم يكن سعر الواحدة منها ليتخطى حاجز 20 ألف ريال وربما تكون متوفرة بـ15 ألف ريال، أما اليوم فسعر السيارة يبلغ وسطيا حوالي 60 ألف ريال، وربما يصل حدود مئة ألف ريال، أي إن سعر السيارة تضاعف بين ثلاثة وخمسة أضعاف بشكل عام.

وقد سقت مثال أسعار السيارات، حتى لايتوهم متوهم أن الفارق بين أسعار الذهب الحالي وأسعاره قبل نحو 30 عاما، مرده ارتفاع الذهب وليس انخفاض قيمة الدولار.

وحتى لايقال إن كاتب هذه الكلمات متجن أو مفرط في تشاؤمه، فإني أحيله إلى ماكتبه واحد من أهم إداريي ومفكري السعودية، الدكتور الراحل غازي القصيبي، وهو بالمناسبة رجل قضى جل عمره في التنقل من منصب حساس إلى آخر، حيث يقول في كتابه “التنمية وجها لوجه”: “أما الوهم الأول فهو أن ما لدينا (السعوديون) من مال لا ينتهي ولا ينضب”.

ويتابع القصيبي في كتابه الذي طرحه في ثمانينات القرن الماضي، قائلا إن “كل مبادئ الاقتصاد السلبية تنبع من قانون واحد هو قانون الندرة، ولقد كنا خلال السنوات الماضية نتصرف منطلقين من قانون مضاد هو قانون الوفرة”.

خسائر كبيرة .. بورصات الخليج تتعرض لأسوأ ضربة على مستوى العالم

ولقائل أن يقول إن الكلام أعلاه حول الخطر الذي يتهدد اقتصادات الخليج هو كلام إنشائي، ومبني على تصورات لا على أرقام ودراسات جدية، تصدرها مؤسسات مرموقة، وهنا يمكن لنا أن نحيل أصحاب هذا الرأي لتقرير صدر قبل نحو شهرين عندما كان سعر برميل النفط العربي يتأرجح حول مستوى 40 دولارا، أي بزيادة نحو 12 دولارا عن سعر اليوم.

يقول التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي بأن السعودية ستعاني عجزا في الميزانية يزيد عن 20% من قيمة الناتج الإجمالي (خُمس ناتجها القومي)، خلال عام 2015، نتيجة تراجع أسعار النفط.

ويرى التقرير أن السعودية تحتاج لبيع برميل النفط بحوالي 106 دولارات حتى تصل إلى نقطة التوازن الميزانية (تساوي النفقات والإيرادات)، ومع صعوبة توفر هذا السعر الخيالي في ظل الظروف الحالية لسوق النفط، فإن السعودية ستعاني تبعات سلبية ستنعكس على الاحتياطات النقدية التي جمعتها خلال فترات ازدهار النفط.

ووفقا لتقرير صندوق النقد فإن تأرجح سعر النفط عند حدود 50 دولارا للبرميل (وهو بعيد بمقدار 22 دولارا عن سعر اليوم!)، سيجعل السعودية تفقد ما جمعته من احتاطيات نقدية خلال 5 سنوات، وهو توقع مرعب لاسيما لجهة قصر مدة نفاد الخزينة من الاحتياطي النقدي.

وليست السعودية وحدها هي المهددة، فما ينطبق عليها ينطبق على سلطنة ومملكة البحرين، مع وضع أقل سوءا بالنسبة للكويت التي يمكن أن تنفد مدخراتها بعد 23 عاما، ولقطر التي ستصمد 25 عاما، والإمارات التي يتوقع لها أن تستنزف آخر احتياطاتها النقدية بعد 28 عاما، هذا إن بقي النفط حول مستوى 50 دولارا، فهل لنا أن نتخيل المشهد والنفط يتهاوى اليوم وكل يوم وقد يصل قريبا إلى 25 دولارا للبرميل، مما سيقلص مهلة الإفلاس إلى نصف المدة!

نتنياهو يتباهى.. (عندما أريد شيئاً فإنني أحصل عليه)

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.