الرئيسية » تحرر الكلام » عشنا وشفنا بسبب سوريا: بعد الشقاق يأتي العناق فهل هذا نفاق؟

عشنا وشفنا بسبب سوريا: بعد الشقاق يأتي العناق فهل هذا نفاق؟

سمي هذا العصر بعصر السرعة فلا نستغرب تسارع الأحداث وتتاليها وانقلابها 180 درجة في أيام وساعات وربما في دقائق معدودات.
عدم استغرابنا لهذه السرعة في انقلابات وجهات النظر والسياسات الدولية ليس لعلمنا بالقدر المحتوم قبل وقوعه أو لتعاملنا مع صناع القرار خلف الكواليس كما يفعل بعض الصحفيين والمحللين بل كل ما في الأمر أننا تعلمنا منذ الصغر أن السياسة هي فن الكذب وفن ادارة الأزمات لتحقيق المصالح بل ذهب البعض الى تعريف السياسة بأنها فن ادارة الصراع بين مختلف الاطراف المتصارعة فيما بينها من أجل تحقيق المنافع المرجوة.
لقد سمعنا كثيرا وقرأنا أكثر عن الجرائم ضد الانسانية التي وقعت منذ قرون ومنذ عقود في العالم ولسنا نبالغ ان قلنا اننا سمعنا وقرأنا عنها العشرات من المقالات والأبحاث ولكن ولأن الذاكرة خائنة كبرى لم تسعفنا هذه المرة لكي نتذكرها كلها ونقارنها مع ما عايشناه من مجازر ضد الانسانية في القرن الواحد والعشرين كان اخرها ما يحدث في سوريا.
لن نستعرض كثيرا هذه المجازر الجماعية وجرائم الحرب التي راح ضحيتها الملايين من البشر من مختلف الديانات والأقليات والعرقيات المتنوعة بسبب كثرتها ووفرة المقالات والأبحاث التي تحدثت عنها بل يكفينا أن نشير الى أن جمهورية رواندا الواقعة في شرق القارة الافريقية كانت قد شهدت وحدها خلال أقل من 100 يوم سنة 1994 مقتل ما يقارب 800 ألف شخص وتعرضت مئات الالاف من النساء الى الاغتصاب.
قرأنا كذلك عن التنديدات من كل الأوساط الدينية والمدنية والدولية والحقوقية في فترات متباعدة في التاريخ البشري واطلعنا عن كثير من بيانات الاستنكار والقلق والتخوف والتنديد والدعوة الى وقف القتل والقتال وجرائم الحرب من قبل كل الأطراف المتنازعة في العالم.
هكذا كتب علينا أن نعيش في القرن الواحد والعشرين لنرى بأم أعيننا مجازر أبشع بكثير من تلك التي قرأنا عنها والتي حدثنا عنها أباؤنا وأجدادنا وأساتذتنا وأصحابنا والوثائقيات التي تعرضها مختلف القنوات العالمية بدون استثناء.
ان الحرب العالمية الأولى والثانية كانت سببا في سقوط أكثر من ستين مليون قتيل من مختلف أنحاء العالم وكان الاحتلال المباشر للدول العربية والإفريقية سببا في سقوط ملايين القتلى والجرحى أيضا،ويكفي أن نشير الى أن الجزائر وحدها شهدت مقتل أكثر من مليون جزائري بسبب الاستعمار الفرنسي.
لقد كنا منذ صغرنا مولعين بتتبع الأخبار العالمية وخاصة ما يحدث في العالم جراء الحروب والفتن الداخلية التي شهدتها أكثر من دولة من مختلف أنحاء العالم ولا زلنا نتذكر انتفاضة الأقصى وحرب أفغانستان وحرب العراق وغيرها من الأحداث الكبيرة التي تابعنا مستجداتها يوما بيوم بفضل قناة الجزيرة الاخبارية التي كانت في عصرها الذهبي في تلك الفترة.
ولكننا الان يمكننا القول أننا بدأنا نفهم قليلا ماذا يحدث في العالم ومن كان المتسبب في هذه الأحداث وربما حالفنا الحظ في مقالات سابقة نشرت لنا في مواقع عديدة في تحليل بعض الأحداث والإصابة في بعض ما ذهبنا اليه.
لم نفاجئ صراحة بتغير الموقف الأمريكي الروسي خاصة والدولي عامة من الأزمة السورية ولم نتوقع في يوم من الأيام منذ دخول الثورة السورية طورها المسلح أن تنتهي الامور سريعا عن طريق التوصل الى حل سياسي يرضي كل الأطراف المتنازعة والمتدخلة وكنا متأكدين أن التدخل الدولي وتسييس هذه الثورة الشعبية ومحاولة السيطرة على سوريا سيكون مطمع كل الأطراف الدولية العالمية ولن نستطرد كثيرا في شرح أسباب ذلك لكن السبب الرئيسي هو الطمع في الحصول أو البقاء في موقع استراتيجي في المنطقة ليس له نظير في أي بلد اخر و مصلحة اسرائيل المهددة اذا ما تم الاطاحة بنظام “المقاومة والممانعة” من قبل جماعات اسلامية جهادية مما كانت انتماءاتها “قاعدية” أو “داعشية”.
ففي أواخر شهر سبتمبر من كل عام يجتمع حكام العالم في مدينة نيويورك الأمريكية في مقر الأمم المتحدة بمناسبة الجمعية العامة التي تمثل إحدى الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة وتتألف من جميع الأعضاء، وهي بمثابة منتدى دولي لمناقشة جميع القضايا في العالم ولكن ككل مرة يدور قادة العالم في حلقة مفرغة كثور الطاحون، الذي عصبت عيناه فصار يدور ويدور ويعتقد انه يقطع الأرض في حين أنه قابع في مكانه ويعود من حيث بدأ.
لكن هذه السنة كانت مختلفة على سابقاتها فقد اتفق العرب والعجم أبيضهم وأسودهم،أصفرهم وأحمرهم أن كل مشاكل العالم قد حلت ولم يعد هنالك أي تهديد يهدد السلم العالمي والتعايش السلمي والأمن والأمان والاستقرار سوى تنظيم الدولة الاسلامية وأخواتها مع التأكيد على أن بشار الأسد جزء من الحل لكي يتم اجتثاث الغول القادم في اتجاه كل دول العالم حتى أن جماعة الاسكيمو سيكونون مهددين من قبل تنظيم الدولة وربما ان وصل مقاتلوه اليهم سيزيلون بيوت الثلج التي شيدوها وسيُحرّمون صيد السمك وسيقتلون الكلاب التي ترافق جماعة الاسكيمو وتصطحبهم وتعوض السيارات الفارهة التي يمتلكها أبناء جنسهم من البشر في مدن عربية وغربية عديدة.
ربما هي المرة الأولى التي أجمع فيها القادة العرب في كلماتهم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الاثنين 28 أيلول/سبتمبر، على ضرورة حل القضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب، وإيجاد حلول سلمية للأزمة السورية واتفق جمهور زعماء الغرب على محاربة تنظيم الدولة الاسلامية واجتثاثها من العراق وسوريا والتنسيق العلني لأول مرة بين روسيا وإيران وأمريكا من أجل استهدافه وشل قدراته الهجومية الدفاعية في البلدين.
وككل مرة يبدع زعماء العالم بلا استثناء في التأكيد على ضرورة ارساء الديمقراطية في العالم والحد من الحروب والبحث عن الحلول السلمية قبل التدخلات العسكرية والتنديد بالجرائم ضد الانسانية ثم يناقضون بعضهم البعض عند التطبيق ويلجؤون الى القوة عند أول فرصة تكون سانحة لذلك.
في الأخير يمكننا القول ان الثورة السورية كانت فاضحة لكل القوى العالمية وللنظام الدولي وللدول العربية بدون استثناء فلولا تدخلاتهم الثقيلة وتمويلاتهم الخبيثة لكل أطراف النزاع لما وصل الأمر الى ما وصل اليه الان عندما اختلط الحابل بالنابل.
كما نهنئ أمريكا وإيران وروسيا بزواج المتعة بينهم ولا نفوت فرصة تعزية أحرار العالم كلهم بعد موت القيم والمبادئ في هذا العالم الحقير الذي أصبحت فيه أصوات جمعيات الرفق بالحيوان مسموعة لدى الحكام في حين أن أصوات الأطفال والنساء والمدنيين المضطهدين في كل العالم في طي النسيان الى حين الاتفاق والتفاهم بين الدول الكبرى.

قد يعجبك أيضاً

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.